السبت، 5 أغسطس 2023

وفى أموالهم حق معلوم

من روائع البيان القرآني في سورة المعارج أخبر سبحانه وتعالى عن طبيعة الإنسان وما جبل عليه من الحرص الشديد على جمع حطام الدنيا فقال سبحانه ( إن الإنسان خلق هلوعا ) أي إن الإنسان جبل على الضجر لايصبر على بلاء ولايشكر على نعماء, قال المفسرون الهلع شدة الحرص وقلة الصبر والمراد بالإنسان العموم بدليل الاستثناء منه والاستثناء هو معيار العموم ثم فسره تعالى بقوله ( إذا مسه الشر جزوعا ) أي إذا نزل به مكروه من فقر أو مرض أو خوف كان مبالغا في الجزع مكثرا منه واستولى عليه اليأس والقنوط, ( وإذا مسه الخير منوعا ) أي إذا أصابه خير من غنى وصحة وسعة رزق وكان مبالغا في المنع والإمساك فهو إذا أصابه فقر لم يصبر وإذا أغناه الله لم ينفق, ( إلا المصلين ) استثناء استثناهم من أفراد البشرالموصوفين بالهلع لأن صلاتهم تحملهم على قلة الاكتراث بالدنيا فلا يجزعون من شرها ومصائبها ولا يبخلون بخيرها ثم ذكرهم بصفات جاءت كلها بالتأكيد بضمير الفصل هم عدا آيتين هما ( والذين في أموالهم حق معلوم . للسائل والمحروم ) والآية ( والذين يصدقون بيوم الدين ) فلماذا لم يأت ضمير الفصل هم في الآيتين؟

في الآية الأولى جاءت بعد قوله تعالى ( الذين هم على صلاتهم دائمون ) فضمير الفصل هم في هذه الآية للصلاة وهو أيضا للزكاة بطريقة الاقتران لأن الله قرن الصلاة والزكاة في ستة وعشرين موضعا في القرآن الكريم

أما الآية الثانية ( والذين يصدقون بيوم الدين ) فهم يؤمنون بيوم الحساب والجزاء يصدقون بمجيئه تصديقا جازما لايشوبه شك ولا ارتياب فيستعدون بالأعمال الصالحة ومعنى هذا أنهم من عذاب ربهم خائفون على أنفسهم راجون ثوابه فجاءت الآية بعدها ( والذين هم من عذاب ربهم مشفقون ) فضمير الفصل هم لهذه الآية والتي قبلها لاقترانهم في المعنى والله اعلم.

وقد يسأل سائل ويقول في سورة المؤمنون جاء ضمير الفصل هم للصلاة والزكاة فقال تعالى ( قد أفلح المؤمنون . الذين هم في صلاتهم خاشعون . والذين هم عن اللغو معرضون . والذين هم للزكاة فاعلون ) فكيف الجمع بينهما؟ والإجابة عن هذا السؤال كما يلي:

سورة المؤمنون ذكر الله فيها صفات عباده المؤمنين التي استحقوا بها الفردوس الأعلى من الجنة فقال تعالى ( أولئك هم الوارثون . الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون ) أي أعالي الجنة التي تتفجر منه أنهار الجنة وفي الحديث الذي رواه مسلم والترمذي ( إذا سألتم الله فاسألوه الفردوس فإنها أوسط الجنة وأعلى الجنة ومنه تتفجر أنهار الجنة ) لذلك اختلفت صفات المؤمنين في سورة المؤمنون عما جاء في سورة المعارج فهي في سورة المؤمنون أعلى من الصفات التي جاءت في سورة المعارج لذلك جاء ضمير الفصل هم في كل آياتها فقال تعالى في سورة المعارج ( الذين هم على صلاتهم دائمون ) أي مواظبون على أداء الصلاة لايشغلهم عنها شاغل وقال تعالى في سورة المؤمنون (الذين هم في صلاتهم خاشعون ) قال ابن عباس خاشعون أي خائفون ساكنون أي هم خائفون متذللون في صلاتهم لجلال الله وعظمته لاستيلاء الهيبة على قلوبهم والخشوع في الصلاة هو حضور القلب بين يدي الله تعالى مستحضرا لقربه فيسكن لذلك قلبه تطمئن نفسه وتسكن حركاته والخشوع هو روح الصلاة وهو المقصود منها وهو الذي يكتب للعبد وهذا من تفسير السعدي رحمه الله

وقال تعالى في سورة المعارج ( والذين في أموالهم حق معلوم . للسائل والمحروم ) أي في أموالهم نصيب معين فرضه الله عليهم وهو الزكاة للسائل والمحروم وقال في سورة المؤمنون ( والذين هم للزكاة فاعلون ) أي يؤدون زكاة أموالهم للفقراء والمساكين طيبة بها نفوسهم طلبا لرضا الله عز وجل لذلك جاء ضمير الفصل هم الذي هو للتأكيد في كل صفات المؤمنين في سورة المؤمنون فسبحان من هذا كلامه 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق