من روائع البيان القرآني : قوله سبحانه :
( ثم أرسلنا رسلنا تترا كل ما جاء أمة رسولها كذبوه فأتبعنا بعضهم بعضا وجعلناهم أحاديث فبعدا لقوم لا يؤمنون ) سورة المؤمنون 44
وقوله تعالى :
( فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا وظلموا أنفسهم فجعلناهم أحاديث ومزقناهم كل ممزق إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور ) سورة سبأ 19
جاء في المؤمنون ( وجعلناهم أحاديث )
وجاء في سبأ ( فجعلناهم أحاديث )
فما السبب في الإختلاف بين الموضعين ؟
يتضح ذلك من خلال استعراض تفسير الآيتين
جاء في تفسير اﻵية الأولى ( ثم أرسلنا رسلنا تترا ) أى بعثنا الرسل متتالين واحدا بعد واحد ، قال ابن عباس : يتبع بعضهم بعضا ( كلما جاء أمة رسولها كذبوه ) أى أنهم سلكوا في تكذيب أنبيائهم مسلك من سبقهم من الضالين المكذبين ، ولهذا قال : ( فأتبعنا بعضهم بعضا ) أي ألحقنا بعضهم في إثر بعض بالهلاك والدمار فكانت الفاء في (فأتبعنا ) سببية ( وجعلناهم أحاديث ) أي أخبار تروى ، وأحاديث تذكر ، يتحدث الناس بما جرى عليهم تعجبا وتسلية .
الآية الثانية جاءت بعد قوله تعالى :
( وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها قرى ظاهرة وقدرنا فيها السير سيروا فيها ليالى وأيام أمنين ) هذا تتمة ذكر ما أنعم الله به على سبأ أي وجعلنا بين (بلاد سبأ) وبين ( القرى الشامية ) التى باركنا فيها للعالمين قري متواصلة من اليمن إلى الشام ، يرى بعضها بعضها من بعض لتقاربها ، ظاهرة لأبناء السبيل ، وجعلنا السير بين قراهم وبين قرى الشام سيرا مقدرا من منزل إلى منزل ، ومن قرية إلى قرية ، وقلنا لهم سيروا بين هذه القرى متى شئتم ، لاتخافون في ليل ولا في نهار .
( فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا ) فقابلوا النعم بالكفران ، أي أنهم حين بطروا النعمة ، وملوا العافية ، وسئموا الراحة ، طلبوا من الله أن يباعد بين قراهم المتصلة ، ليمشوا في المفاوز ، ويتزودوا للأسفار ، فعجل الله إجابتهم ، بتخريب تلك القرى وجعلها مفاوز قفارا ( وظلموا أنفسهم ) أي وظلموا أنفسهم بكفرهم وجحودهم النعمة لذلك ( فجعلناهم أحاديث ومزقناهم كل ممزق) فجاءت الفاء سببية أي بسبب كفرهم النعمة جعلناهم أخبارا تروى للناس بعدهم وفرقناهم في البلاد .
فجاء كل حرف في مكانه المناسب .
فسبحان من هذا كلامه !!!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق