[٧/٥, ١:٠٦ م] حسن أحمد حسن سليمان: من روائع البيان القرآنى:
(حول سورة يوسف) : سورة يوسف إحدى السور المكية التى تناولت قصص الأنبياء وقد أفردت الحديث عن نبى الله (يوسف بن يعقوب) ومالاقاه عليه السلام من أنواع البلاء ومن ضروب المحن والشدائد وقد نزلت السورة على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد سورة هود فى تلك الفترة الحرجة العصيبة من حياة النبى صلى الله عليه وسلم حيث توالت الشدائد والنكبات عليه وعلى المؤمنين وبالأخص بعد أن فقد نصيريه : زوجه الطاهر الحنون (خديجة) وعمه (أبا طالب) الذى كان له خير نصير وخير معين وبوفاتهما اشتد الأذى والبلاء عليه وعلى المؤمنين حتى عرف ذلك العام ب(عام الحزن)٠
[٧/٥, ١:٠٦ م] حسن أحمد حسن سليمان: فى تلك الفترة العصيبة من حياة الرسول الكريم كان الله سبحانه ينزل عليه هذه السورة تسلية له وتخفيفا لآلامه بذكر قصص المرسلين وهى إشارة للفرج بعد الشدة وإن بعد الضيق مخرجا وهكذا كانت قصة يوسف الصديق تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم عما يلقاه وجاءت تحمل البشر والأنس والراحة والطمأنينة لمن سار على ضرب الأنبياء والمرسلين فلابد من الفرج بعد الشدة ومن اليسر بعد العسر هذا جو السورة تبشر بقرب النصر لمن تمسك بالصبر وسار على طريق الأنبياء والمرسلين
[٧/٥, ١:٠٩ م] حسن أحمد حسن سليمان: قوله سبحانه : (تلك آيات الكتاب المبين) جاء فى سورة يوسف أول السورة وكذلك فى أول سور الشعراء والقصص والمبين هو الواضح والسور الثلاث حديثها عن قصص الأنبياء والمرسلين وحالهم مع قومهم ودعوتهم إلى عبادة الله وحده لاشريك له وجاءؤ بالبينات والمعجزات الدالة على صدقهم وانتهت قصة كل نبى بإهلاك الكافرين ونجاة المؤمنين وكان فى قصصهم عبرة لأولى الألباب وفيها تسلية للنبى صلى الله عليه وسلم وعون له على صبره على قومه وقوة للمؤمنين على تحمل الأذى فى سبيل الله والصبر على طاعة الله والجهاد فى سبيل إعلاء كلمة الله لتكون هى العليا فناسب لفظ : (المبين) السور الثلاث
[٧/٥, ١:١٠ م] حسن أحمد حسن سليمان: قوله سبحانه : (إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون)(2)(يوسف)
وقوله سبحانه : (إنا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون)(3)(الزخرف)
قال فى سورة يوسف : (أنزلناه)
وقال فى الزخرف : (جعلناه) فما سبب ذلك ؟
فأما فى سورة يوسف : فناسب قوله : (أنزلناه) السورة حيث أنها تحدثت عن قصة يوسف عليه السلام فلما قال : (أنزلناه) أخرص الألسنة وأغلق الباب على من قال أن القرآن من عند محمد وأكد ذلك بقوله :(نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن وإن كنت من قبله لمن الغافلين)(3) أى وقد كنت من قبل أن نوحى إليك هذا القرآن لمن الغافلين عن هذه القصة
[٧/٥, ١:١٠ م] حسن أحمد حسن سليمان: أما فى سورة الزخرف فناسب قوله سبحانه : (جعلناه) السورة حيث جاء على نسق السورة فقد تكرر الفعل : (جعل) اثنا عشر مرة وذلك فى الآيات : (إنا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون)(3)
(الذى جعل لكم الأرض مهدا وجعل لكم فيها سبلا لعلكم تهتدون)(10) ( والذى خلق الأزواج كلها وجعل لكم من الفلك والأنعام ماتركبون)(12) (وجعلوا له من عباده جزءا إن الإنسان لكفور مبين)(15) (وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا...الآية)(19) (وجعلها كلمة باقية فى عقبه لعلهم يرجعون)(28)
[٧/٥, ١:١٠ م] حسن أحمد حسن سليمان: وقوله سبحانه : (ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة ومعارج عليها يظهرون)(33) (وسئل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون)(45) (فجعلناهم سلفا ومثلا للأخرين)(56) (إن هو إلا عبد أنعمنا عليه وجعلناه مثلا لبنى إسرائيل)(ولو نشاء لجعلنا منكم ملائكة فى الأرض يخلفون)(60:59) فناسب الفعل :(جعل) نسق السورة فناسب كل لفظ مكانه .
[٧/٥, ١:١٢ م] حسن أحمد حسن سليمان: جاء فى سورة يوسف : عليم قبل حكيم أو العليم قبل الحكيم فى ثلاث مواضع من السورة : قوله سبحانه : (وكذلك يجتبيك ربك ويعلمك من تأويل الأحاديث ويتم نعمته عليك وعلى آل يعقوب كما أتمها على أبويك من قبل إبراهيم وإسحاق إن ربك عليم حكيم)(6) وقوله سبحانه : (قال بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل عسى الله أن يأتينى بهم جميعا إنه هو العليم الحكيم)(83) وقوله سبحانه : (ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدا وقال ياأبت هذا تأويل رءياى من قبل قد جعلها ربى حقا وقد أحسن بى إذ أخرجنى من السجن وجاء بكم من البدو من بعد أن نزغ الشيطان بينى وبين إخوتى إن ربى لطيف لما يشاء إنه هو العليم الحكيم)(100)
[٧/٥, ١:١٢ م] حسن أحمد حسن سليمان: وباستقراء آيات السورة نجد جو السورة هو جو العلم حيث تكرر لفظ (العلم) صريحا سبع وعشرون مرة (27) وأوضح مافيها علم تأويل الرؤى الذى خص الله به يوسف عليه السلام وذلك فى قوله تعالى : (وكذلك يجتبيك ربك ويعلمك من تأويل الأحاديث ويتم نعمته عليك وعلى آل يعقوب كما أتمها على أبويك من قبل إبراهيم وإسحاق إن ربك عليم حكيم)(6) وقوله سبحانه : (وكذلك مكنا ليوسف فى الأرض ولنعلمه من تأويل الأحاديث والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لايعلمون)(21) وقوله سبحانه : (قال لايأتيكما طعام إلا نبأتكما بتأويله قبل أن يأتيكما ذلكما مما علمنى ربى...الآية)(37)
[٧/٥, ١:١٢ م] حسن أحمد حسن سليمان: ومن ذلك قوله سبحانه : (ولما دخلوا من حيث أمرهم أبوهم ماكان يغنى عنهم من الله من شئ إلا حاجة فى نفس يعقوب قضاها وإنه لذو علم لما علمناه ولكن أكثر الناس لايعلمون)(68) أى : ولما دخلوا من أبواب متفرقة كما أمرهم أبوهم ماكان ذلك ليدفع قضاء الله عنهم ولكن شفقة فى نفس يعقوب عليهم أن تصيبهم العين وإن يعقوب لصاحب علم عظيم بأمر دينه علمه الله له وحيا ولكن أكثر الناس لايعلمون عواقب الأمور ودقائق الأشياء ومايعلمه يعقوب من أمر دينه
[٧/٥, ١:١٣ م] حسن أحمد حسن سليمان: ومن ذلك قوله سبحانه : ( قال إنما أشكوا بثى وحزنى إلى الله وأعلم من الله مالاتعلمون)(86) أى : قال يعقوب مجيبا لأولاده لا أظهر همى وحزنى إلا لله وحده فهو كاشف الضر والبلاء وأعلم من رحمة الله وفرجه مالاتعلمونه
وقوله سبحانه : (يابنى اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ولاتايئسوا من روح الله إنه لايايئس من روح الله إلا القوم الكافرون)(فلما دخلوا عليه قالوا يا أيها العزيز مسنا وأهلنا الضر وجئنا ببضاعة مزجاة فأوف لنا الكيل وتصدق علينا إن الله يجزى المتصدقين)(88:87) ويجتلى فى الآيتين وحى الله لنبيه يعقوب فبين غياب يوسف وأخيه سنوات فمن أخبر يعقوب عليه السلام أن يوسف حى وهو وأخوه فى مكان واحد غير الوحى من الله
[٧/٥, ١:١٣ م] حسن أحمد حسن سليمان: وقد تبين ذلك فى الآية التى بعدها : (فلما دخلوا عليه قالوا يا أيها العزيز مسنا وأهلنا الضر وجئنا ببضاعة مزجاة فأوف لنا الكيل وتصدق علينا إن الله يجزى المتصدقين) حيث عاد الضمير فى قوله : (فلما دخلوا عليه) على يوسف وذلك فى قوله تعالى : (يابنى اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ولاتايئسوا من روح الله إنه لايايئس من روح الله إلا القوم الكافرون) وهذه الآية الوحيدة التى ذكر فيها يوسف بالضمير وهذا يدلك على نصرة الله لأنبيائه وأولياءه
[٧/٥, ١:١٥ م] حسن أحمد حسن سليمان: جاء فى سورة الأنعام عكس ماجاء فى سورة يوسف : فتقدمت صفة الحكيم على صفة العليم فى ثلاث مواضع وإليك بيانها : قوله سبحانه : (وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه نرفع درجات مانشاء إن ربك حكيم عليم)(83) أى : وتلك الحجة التى حاج بها إبراهيم عليه السلام قومه هى حجتنا التى وفقناه إليها حتى انقطعت حجتهم وناظر إبراهيم وكانوا على الكفر وأقام عليهم الحجة لما رأى كوكبا قال هذا ربى ليثبت لهم أن دينهم باطل وكانوا يعبدون النجوم فلما غاب الكوكب قال : لاأحب الآلهة التى تغيب وهكذا فعل لما رأى القمر والشمس فأقام عليهم الحجة وقال إنى توجهت بوجهى فى العبادة لله عز وجل
[٧/٥, ١:١٥ م] حسن أحمد حسن سليمان: لذلك تقدمت صفة الحكيم على صفة العليم حيث آتى الله سبحانه وتعالى إبراهيم الحكمة فى محاجته قومه فإنه كان يناظر قوم على الكفر فلابد لمن يناظر أهل الكفر يكون عنده من الحكمة مع العلم مايستطيع بهما أن يقيم عليهم الحجة انتصارا لدين الله فناسب فى هذا الموضع تقديم حكيم على عليم فإن المقام مقام حكمة
[٧/٥, ١:١٥ م] حسن أحمد حسن سليمان: وقد تقدمت صفة الحكيم على صفة العليم فى موضعين آخرين : قوله سبحانه : (وإن ربك هو يحشرهم إنه حكيم عليم)(25)(الحجر)
وقوله سبحانه : (وإنك لتلقى القرآن من لدن حكيم عليم)(6)(النمل) فالموضع الأول: وإن ربك هو يحشرهم للحساب والجزاء بحكمه وحكمته فهو حكيم فى تدبيره عليم لايخفى عليه شئ فناسب تقديم حكيم على عليم سياق الآية . الموضع الثانى: أى وإنك- أيها الرسول- لتتلقى القرآن من عند الله الحكيم فى خلقه وتدبيره الذى أحاط بكل شئ علما فنزول القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم واختيار الله له وهو صلى الله عليه وسلم أفضل الخلق فهو حكم الله وحكمته فناسب تقديم حكيم على عليم سياق الآية
[٧/٥, ١:١٥ م] حسن أحمد حسن سليمان: الموضع الثالث : قوله سبحانه : (وقالوا مافى بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا ومحرم على أزواجنا وإن يكن ميتة فهم فيه شركاء سيجزيهم وصفهم إنه حكيم عليم)(139) أى : وقال المشركون : مافى بطون هذه الأنعام من أجنة مباح لرجالنا ومحرم على نسائنا إذا ولد حيا ويشتركون فيه إذا ولد ميتا سيعاقبهم الله إذ شرعوا لأنفسهم من التحليل والتحريم مالم يأذن به الله إنه حكيم فى تدبير أمور خلقه عليم بهم فهو حكمه وحكمته فناسب تقديم حكيم على عليم سياق الآية
[٧/٥, ١:١٧ م] حسن أحمد حسن سليمان: قوله سبحانه : (وقال الذى اشتراه من مصر لامرأته أكرمى مثواه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا وكذلك مكنا ليوسف فى الأرض ولنعلمه من تأويل الأحاديث والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لايعلمون)(21)
وقوله سبحانه : (وكذلك مكنا ليوسف فى الأرض يتبوأ منها حيث يشاء نصيب برحمتنا من نشاء ولانضيع أجر المحسنين)(56) مكنا فى الموضع الثانى واضح فأصبح يوسف عليه السلام واليا على خزائن (مصر) وكما أنعم الله عليه بالخلاص من السجن مكن له فى أرض (مصر) ينزل منها أى منزل شاءه يصيب الله برحمته من يشاء من عباده المتقين ولايضيع أجر من أحسن شيئا من العمل الصالح
[٧/٥, ١:١٧ م] حسن أحمد حسن سليمان: فى الموضع الأول قال : (وكذلك مكنا ليوسف فى الأرض ولنعلمه من تأويل الأحاديث والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لايعلمون) وقد ألقاه إخوته فى غيابات الجب وقد بيع عبدا وتعرض لفتنة امرأة العزيز والنسوة ولبث فى السجن بضع سنين فكيف نفسر معنى التمكين فى هذا الموضع : ومن خلال ماسبق مما تعرض له يوسف من ابتلاءت نخلص أن التمكين يأتى بعد ابتلاء من الله فهو سبحانه حكيم فى تدبيره وصنعه والله غالب على أمره فحكمه نافذ لايبطله مبطل ولكن أكثر الناس لايعلمون أن الأمر كله بيد الله.
إذا هذا بداية التمكين ليوسف فى الأرض ثم جاء التمكين الثانى فأصبح واليا على خزائن مصر
[٧/٥, ١:١٨ م] حسن أحمد حسن سليمان: من روائع البيان القرآنى :
( بلاغة اللفظ القرآنى)
قوله سبحانه : ( قالت فذلكن الذى لمتننى فيه ولقد راودته عن نفسه فاستعصم ولئن لم يفعل ماآمره ليسجنن وليكونا من الصاغرين) وهذا قول امرأة العزيز للنسوة اللاتى قطعن أيديهن : فهذا الذى أصابكن فى رؤيتكن إياه ماأصابكن هو الفتى الذى لمتننى فى الافتتان به ولقد طلبته وحاولت إغراءه ليستجيب لى فامتنع وأبى ولئن لم يفعل ماآمره به مستقبلا ليعاقبن بدخول السجن وليكون من الأذلاء والبلاغة القرآنية فى قوله : (ليسجنن) و (وليكونا) فجاء الأول مؤكدا والثانى مخففا وهو مايسمى نون التوكيد الخفيفة
[٧/٥, ١:١٨ م] حسن أحمد حسن سليمان: أما الأول جاء مؤكدا لأنها تملك ذلك وهو الأمر بالسجن لأنها امرات العزيز أما الثانى وهو :( وليكونا من الصاغرين) جاء مخففا لأنها لاتملك أن تجعله من الأذلاء لاهى ولا من فى الأرض جميعا لأنه من أنبياء الله فهو الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم : يوسف ابن يعقوب ابن إسحاق ابن إبراهيم عليهم السلام جميعا فلا يستطيع أحد على وجه الأرض أن يجعل نبيا من أنبياء الله من الأذلاء لأن قوته وعزته من قوة وعزة من أرسله وهو الله سبحانه وتعالى . فناسب كل لفظ معناه
[٧/٥, ١:٢١ م] حسن أحمد حسن سليمان: قوله سبحانه : ( قالوا أءنك لأنت يوسف قال أنا يوسف وهذا أخى قد من الله علينا إنه من يتق ويصبر فإن الله لايضيع أجر المحسنين)(قالوا تالله لقد آثرك الله علينا وإن كنا لخاطئين)(91:90) وقوله سبحانه : (قالوا ياآبانا استغفر لنا ذنوبنا إنا كنا خاطئين)(قال سوف أستغفر لكم ربى إنه هو الغفور الرحيم)(98:97)
جاء الموضع الأول : (وإن كنا لخاطئين) بتخفيف النون
وجاء الموضع الثانى : (إنا كنا خاطئين) بتشديد النون (مؤكدة)
فما سبب ذلك ؟
[٧/٥, ١:٢١ م] حسن أحمد حسن سليمان: أما الموضع الأول جاء مخففا لأنه قول أخوة يوسف لأخيهم يوسف لما عرفهم أنه يوسف فقالوا لقد فضلك الله علينا وأعزك بالعلم والحلم والفضل وإن كنا لخاطئين بما فعلناه عمدا بك فكان إيذائهم له سبب فى وصوله إلى هذه المكانة وأصبح عزيز مصر . وجاء الموضع الثانى مؤكدا لأنه كان لأبيهم يعقوب عليه السلام حيث فقد يوسف أوصله إلى الحزن وانتهى به إلى العمى فكان تأثره بفقد يوسف شديد فناسب التأكيد حال يعقوب وناسب التخفيف حال يوسف ويمكن القول بأن التخفيف ناسب مقام يوسف فهو أخوهم وناسب التأكيد مقام يعقوب فهو أبوهم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق