[١٨/٥, ٧:٤٢ م] حسن أحمد حسن سليمان: من روائع البيان القرآنى : (تأملات سور القرآن)(سورة آل عمران) : هى من السور المدنية الطويلة وقد اشتملت هذه السورة الكريمة على ركنين هامين من أركان الدين هما : الأول: ركن العقيدة وإقامة الأدلة والبراهين على وحدانية الله جل فى علاه . الثانى : التشريع وبخاصة فيما يتعلق بالمغازى والجهاد فى سبيل الله خاصة غزوة بدر وغزوة أحد وإذا كانت سورة البقرة قد تناولت الحديث عن(الزمرة الأولى) من أهل الكتاب وهم (اليهود) وأظهرت حقيقتهم وكشفت عن نواياهم وخباياهم وخبثهم ومكرهم
[١٨/٥, ٧:٥٣ م] حسن أحمد حسن سليمان: فإن سورة آل عمران قد تناولت(الزمرة الثانية) من أهل الكتاب وهم (النصارى) الذين جادلوا فى شأن المسيح وزعموا ألوهيته وكذبوا برسالة محمد صلى الله عليه وسلم وأنكروا القرآن وقد تناول الحديث عنهم مايقرب من نصف السورة الكريمة وكان فيها الرد على الشبهات التى أثاروها بالحجج الساطعة والبراهين القاطعة وبخاصة فيما يتعلق بشأن مريم وعيسى عليه السلام وجاء ضمن هذا الرد بعض الإشارات والتقريعات لليهود والتحذير للمسلمين من كيد ودسائس أهل الكتاب
[١٨/٥, ٨:٠٣ م] حسن أحمد حسن سليمان: لذلك جاء الحديث : عن النواس بن سمعان قال سمعت النبى صلى الله عليه وسلم يقول : (يؤتى يوم القيامة بالقرآن وأهله الذين كانوا يعملون به تقدمهم سورة البقرة وآل عمران) أخرجه مسلم رقم 805 باب فضل قراءة القرآن وسورة البقرة وأيضا سميت السورة بآل عمران لورود ذكر تلك الأسرة الفاضلة (آل عمران) وعمران هو والد مريم (أم عيسى) وماتجلى فيها من مظاهر القدرة الإلهية بولادة مريم البتول وابنها عيسى عليهما السلام بقول الله (كن فيكون)
(إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون)(59)
[١٨/٥, ٨:١٢ م] حسن أحمد حسن سليمان: وسبب نزول آيات السورة : نزلت فى وفد نصارى نجران وكانوا ستين راكبا فيهم أربعة عشر من أشرافهم ثلاثة منهم أكابرهم قدموا على النبى صلى الله عليه وسلم فتكلم منهم أولئك الثلاثة معه فقالوا تارة عيسى هو (الله) لأنه كان يحيى الموتى وتارة هو (ابن الله) إذ لم يكن له أب وتارة إنه(ثالث ثلاثة) لقوله تعالى (فعلنا وقلنا) ولو كان واحدا لقال : (فعلت وقلت) فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : ألستم تعلمون أن ربنا حي لايموت و أن عيسى يموت!! قالوا بلى
قال : ألستم تعلمون أنه لايكون ولد إلا ويشبه أباه!! قالوا بلى
[١٨/٥, ٨:٢٣ م] حسن أحمد حسن سليمان: قال ألستم تعلمون أن ربنا قائم على كل شئ يكلؤه ويحفظه ويرزقه فهل يملك عيسى شيئا من ذلك قالوا : لا .
قال ألستم تعلمون أن ربنا لايأكل الطعام ولايشرب الشراب ولايحدث الحدث وأن عيسى كان يطعم الطعام ويشرب الشراب ويحدث الحدث!! قالوا: بلى فقال صلى الله عليه وسلم : فكيف يكون كما زعمتم؟ فسكتوا وأبوا إلا الجحود فأنزل الله تعالى أول السورة إلى نيف وثمانين آية رد عليهم
(النيف 3:1)
[٢٤/٥, ١٠:٠٢ م] حسن أحمد حسن سليمان: ولذلك أكثر ذكر لأهل الكتاب جاء فى السورة وأول ذكر للتوراة والإنجيل جاء فى السورة وتكرر أكثر من مرة وذلك فى قوله سبحانه : (نزل عليكم الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه وأنزل التوراة والإنجيل)(3) وقوله سبحانه : (ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل)(48) وقوله تعالى : (ومصدقا لما بين يدى من التوراة ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم...الآية)(50) وقوله سبحانه : (ياأهل الكتاب لم تحاجون فى إبراهيم وماأنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده أفلا تعقلون)(93)
[٢٤/٥, ١٠:٢٥ م] حسن أحمد حسن سليمان: وقوله سبحانه : (كل الطعام كان حلا لبنى إسرائيل إلا ماحرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين)(93)
وكما ذكرنا أنها أكثر سورة تعرضت لذكر أهل الكتاب وإليك بيان ذلك : قوله سبحانه : (قل ياأهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولانشرك به شيئًا ولايتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون)(64) وهى دعوة لأهل الكتاب من اليهود والنصارى إلى كلمة عدل وحق أن نخص الله وحده بالعبادة ولانتخذ أى شريك معه من وثن أو صنم أو صليب أو طاغوت وناسب هذا أن يكون أول نداء لأهل الكتاب فى السورة
[٢٤/٥, ١٠:٣٦ م] حسن أحمد حسن سليمان: وقوله سبحانه : (ياأهل الكتاب لم تحاجون فى إبراهيم وماأنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده أفلا تعقلون)(65) أى : ياأصحاب الكتب المنزلة من اليهود والنصارى كيف يجادل كل منكم فى أن إبراهيم عليه السلام كان على ملته وماأنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده أفلا تفقهون خطأ قولكم : إن إبراهيم كان يهوديا أو نصرانيا وقد علمتم أن اليهودية والنصرانية حدثت بعد وفاته بحين ؟
[٢٤/٥, ١٠:٤٨ م] حسن أحمد حسن سليمان: وقوله سبحانه : (ودت طائفة من أهل الكتاب لو يضلونكم ومايضلون إلا أنفسهم وما يشعرون)(69) أى : تمنت جماعة من اليهود والنصارى لو يضلونكم- أيها المسلمون- عن الإسلام ومايضلون إلا أنفسهم وأتباعهم ومايدرون ذلك ولايعلمونه . وقوله سبحانه : (ياأهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله وأنتم تشهدون)(ياأهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق وأنتم تعلمون)(71:70) أى : ياأهل الكتاب لم تجحدون آيات الله التى أنزلها على رسله فى كتبكم والتى فيها أن محمد صلى الله عليه وسلم هو الرسول المنتظر وأن ماجاءكم به هو الحق وأنتم تشهدون بذلك ولكنكم تنكرونه
[٢٤/٥, ١٠:٥٧ م] حسن أحمد حسن سليمان: ياأهل الكتاب لم تخلطون الحق فى كتبكم بما حرفتموه وكتبتموه من الباطل بأيديكم وتخفون مافيهما من صفة محمد صلى الله عليه وسلم وأن دينه هو الحق وأنتم تعلمون ذلك . وقوله سبحانه : (وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذى أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون)(72) أى : وقالت جماعة من اليهود : صدقوا بالذى أنزل على آمنوا أول النهار واكفروا آخره لعلهم يتشككون فى دينهم ويرجعون عنه .
[٢٥/٥, ١:٢١ م] حسن أحمد حسن سليمان: قوله سبحانه : (قل ياأهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله والله شهيد على ماتعملون)(قل ياأهل الكتاب لم تصدون عن سبيل الله...الآية)(99:98) وهذان الآيتين تشبهان الآيتين السابقتين ولكن الآيتين السابقتين كان خطاب من الله لأهل الكتاب لذلك انتهت الآية الأولى بقوله : (وأنتم تشهدون) لأن الخطاب من الله لأهل الكتاب وانتهت الآية الثانية بقوله : (والله شهيد على ماتعملون) لأن الخطاب من الله لنبيه أن يقول لأهل الكتاب لم تجحدون حجج الله التى دلت على أن دين الله هو الإسلام وذلك فى قوله سبحانه : (قل ياأهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله والله شهيد على ماتعملون)
[٢٥/٥, ١:٢٨ م] حسن أحمد حسن سليمان: وكذلك الآية الثانية خطاب من الله لنبيه : (قل ياأهل الكتاب لم تصدون عن سبيل من آمن به وتبغونها عوجا وانتم شهداء وما الله بغافل عما تعملون)(99) أى : قل -ياأيها الرسول-لليهود والنصارى : لم تمنعون من الإسلام من يريد الدخول فيه تطلبون له زيغا وميلا عن القصد والاستقامة وأنتم تعلمون أن ماجئت به هو الحق ؟ وما الله بغافل عما تعملون وسوف يجازيكم على ذلك ووافقت الآية خطاب الله لنبيه فالنبى يدعوا الناس إلى الإسلام واليهود والنصارى يصدون الناس عن الدخول فى الدين مع علمهم التام بأنه دين الحق
[٢٥/٥, ١:٤٤ م] حسن أحمد حسن سليمان: قوله سبحانه : (ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك ومنهم من إن تأمنه بدينار لايؤده إليك إلا مادمت عليه قائما ذلك بأنهم قالوا ليس علينا فى الأميين سبيل ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون)(75) أى : ومن أهل الكتاب من اليهود من إن تأمنه على كثير من المال يؤده إليك من غير خيانة ومنهم من إن تأمنه على دينار واحد لايؤده إليك إلا إذا بذلت غاية الجهد فى مطالبته وسبب ذلك عقيدة فاسدة تجعلهم يستحلون أموال العرب بالباطل ويقولون : ليس علينا فى أكل أموالهم إثم ولاحرج لأن الله أحلها لنا وهذا كذب على الله يقولونه بألسنتهم وهم يعلمون أنهم كاذبون
[٢٥/٥, ١:٥٤ م] حسن أحمد حسن سليمان: قوله سبحانه : (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ولو آمن أهل الكتاب لكان خير لهم منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون)(110) أى : ولو آمن أهل الكتاب من اليهود والنصارى بمحمد صلى الله عليه وسلم وماجاءهم به من عند الله كما آمنتم لكان خير لهم فى الدنيا والآخرة منهم المؤمنون المصدقون برسالة محمد صلى الله عليه وسلم العاملون بها وهم قليل وأكثرهم الخارجون عن دين الله وطاعته وقد جاء ذكر المؤمنين منهم فى الآية التى بعدها .
[٢٥/٥, ٢:٠٢ م] حسن أحمد حسن سليمان: وذلك فى قوله سبحانه : (ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون)(يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون فى الخيرات وأولئك من الصالحين)(ومايفعلوا من خير فلن يكفروه والله عليم بالمتقين)(115:113) فمن أهل الكتاب أمة مؤمنة يقومون الليل مرتلين آيات القرآن مقبلين على مناجاة الله يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالخير كله وينهون عن الشر كله ويبادرون إلى فعل الخيرات وأولئك من عباد الله الصالحين وأى عمل من أعمال الخير تعمله هذه الطائفة المؤمنة فلن يضيع عند الله.
[٢٥/٥, ٥:٣٦ م] حسن أحمد حسن سليمان: ومن الجدير بالذكر المقارنة بين الآيتين فى التقديم والتأخير لبيان البلاغة والروعة القرآنية ففى الآية الأولى قدم الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر على الإيمان بالله وذلك فى قوله سبحانه : (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ولو آمن أهل الكتاب لكان خير لهم منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون)(110) وفى الآية الثانية قدم الإيمان بالله على الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وذلك فى قوله سبحانه : (ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون)(يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون فى الخيرات وأولئك من الصالحين)(114:113)
[٢٥/٥, ٥:٤٣ م] حسن أحمد حسن سليمان: ويمكن القول أن التقديم فى الآية الأولى تقديم أهمية وميزة خاصة بأمة الإسلام فإن خيرية هذه الأمة تكمن فى صفة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر فأمة محمد صلى الله عليه وسلم خير الأمم وأنفع الناس للناس يأمرون بالمعروف وهو ماعرف حسنه شرعا وعقلا وينهون عن المنكر وهو ماعرف قبحه شرعا وعقلا ومن قبل هم مؤمنون فسبب التقديم هو خيرية أمة محمد صلى الله عليه وسلم بهذا الأمر
[٢٥/٥, ٥:٤٨ م] حسن أحمد حسن سليمان: أما الآية الثانية فجاءت فى وصف فئة من أهل الكتاب آمنوا بالله ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم ومن قبل كانوا كافرين فتقديم الإيمان بالله واليوم الآخر هو الأهم لأنهم كانوا على الكفر ثم يأتى بعد إيمانهم بالله واليوم الآخر أمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر وهو أمرهم بالخير كله ونهيهم عن الشر كله ويبادرون إلى فعل الخيرات وأولئك من عباد الله الصالحين . فجاء الترتيب مناسب مع سياق كل آية. فسبحان من هذا كلامه !!!
[٢٦/٥, ٢:٢٦ م] حسن أحمد حسن سليمان: قوله سبحانه : (إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون)(59) من العجب فى الآية : (إن مثل عيسى...الآية) أن اسم(عيسى) واسم (آدم) من أول القرآن إلى هذه الآية تكرر كل منهما (سبع مرات) وفى القرآن كله تكرر كل منهما (خمس وعشرون مرة)
سبب نزول الآية : لما قدم وفد نصارى نجران وجادلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فى أمر عيسى قالوا للرسول صلى الله عليه وسلم : مالك تشتم صاحبنا ؟ قال : وماأقول ؟ قالوا : تقول أنه عبد قال : أجل إنه عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى العذراء البتول فغضبوا وقالوا : هل رأيت إنسانا قط من غير أب ؟ فإن كنت صادقا فأرنا مثله فأنزل الله :(إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم...الآية)
[٢٦/٥, ٢:٤٤ م] حسن أحمد حسن سليمان: جاء فى تفسير الآية : إن شأن عيسى إذ خلقه بلا أب- وهو فى بابه غريب- كشأن آدم خلقه من غير أب ولاأم ثم قال له (كن) فكان فليس أمر عيسى بأعجب من أمر آدم . وقد روى أن النبى صلى الله عليه وسلم لما دعا وفد نصارى نجران إلى الإسلام قالوا : قد كنا مسلمين قبلك فقال : كذبتم يمنعكم من الإسلام ثلاث : قولكم اتخذ الله ولدا وأكلكم الخنزير وسجودكم للصليب فقالوا فمن أبوه إذا فأنزل الله : (إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون)
[١/٦, ٧:٥٤ م] حسن أحمد حسن سليمان: وانتهى الأمر بالمباهلة فلما أقام عليهم النبى صلى الله عليه وسلم الحجة فأبوا إلا الجحود دعاهم إلى المباهلة فقال بعضهم لبعض : إن فعلتم اضطرم الوادى عليكم نارا !! فقالوا : أما تعرض علينا سوى هذا ؟ فقال : الإسلام أو الجزية أو الحرب فأقروا بالجزية( القرطبى 4 /103) وأسباب النزول للواحدى ص 58 . وذلك فى قوله سبحانه : (فمن حاجك فيه من بعد ماجاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنت الله على الكاذبين)(61)
[١/٦, ٨:٠٤ م] حسن أحمد حسن سليمان: جاء فى تفسير الآية : أى فمن جادلك فى أمر عيسى بعدما وضح لك الحق واستبان فقل هلموا نجتمع ويدعوا كل منا ومنكم أبناءه ونساءه ونفسه إلى (المباهلة) !! وفى سنن الترمذى لما نزلت هذه الآية دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة وحسنا وحسينا فقال : اللهم هؤﻻء أهلى (ثم نبتهل فنجعل لعنت الله على الكاذبين) أى نتضرع إلى الله فنقول : اللهم العن الكاذب منا فى شأن عيسى فلما دعاهم إلى المباهلة امتنعوا وقبلوا بالجزية
[١/٦, ٨:٢٠ م] حسن أحمد حسن سليمان: قال ابن عباس رضي الله عنهما : (لو خرج الذين يباهلون رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجعوا لايجدون أهلا ولا مالا) (طرف من حديث رواه البخارى والترمذى والنسائى .
وفى ترك النصارى الملاعنة لعلمهم بصدق النبى صلى الله عليه وسلم وهو شاهد عظيم على صحة نبوته وكما قال سبحانه فى شأن فرعون وقومه : (وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا فانظر كيف كان عاقبة المفسدين)(14)(النمل) وكقوله سبحانه : (قد نعلم إنه ليحزنك الذى يقولون فإنهم لايكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون)( 33)(الأنعام) قال الحسن : كانوا يقولون إنه ساحر وشاعر وكاهن ومجنون
[١/٦, ٨:٢٩ م] حسن أحمد حسن سليمان: (فإنهم لايكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون) فإنهم فى دخيلة نفوسهم لايكذبونك بل يعتقدون صدقك ولكنهم يجحدون عن عناد فلاتحزن لتكذيبهم قال ابن عباس : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمى (الأمين) فعرفوا أنه لايكذب فى شئ ولكنهم كان يجحدون فكان أبو جهل يقول : مانكذبك يامحمد وإنك عندنا لمصدق وإنما نكذب ماجئتنا به والعجب كيف يصف النبى بالصدق ثم يكذب ماجاء به النبى صلى الله عليه وسلم فالصادق الأمين لايأتى إلا بالصدق ففى كلام أبى جهل تناقد دليل على كبره وعناده .
[١/٦, ١٠:٣٦ م] حسن أحمد حسن سليمان: قوله سبحانه : (شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط لاإله إلا هو العزيز الحكيم)(18) أى بين ووضح لعباده انفراده بالوحدانية وشهدت الملائكة وأهل العلم بوحدانيته بدلائل خلقه وبديع صنعه (قائما بالقسط) أى مقيما للعدل فيما يقسم من الآجال والأرزاق (لاإله إلا هو) لامعبود بحق إلا هو العزيز فى ملكه الحكيم فى صنعه وجاءت الآية بعد هذه الآية مناسبة معها فى قوله سبحانه : (إن الدين عند الله الإسلام) أى الدين المقبول عند الله هو الإسلام وهو دين جميع الأنبياء ولادين يرضاه الله سوى الإسلام
[١/٦, ١٠:٤٥ م] حسن أحمد حسن سليمان: جاء فى تفسير السعدى : هذه أجل الشهادات الصادرة من الملك العظيم ومن الملائكة وأهل العلم على أجل مشهود عليه وهو توحيد الله وقيامه بالقسط وذلك يتضمن الشهادة على جميع الشرع وجميع أحكام الجزاء فإن الشرع والدين أصله وقاعدته توحيد الله وإفراده بالعبودية والاعتراف بانفراده بصفات العظمة والكبرياء والمجد والعز والقدرة والجلال وبنعوت الجود والبر والرحمة والإحسان والجمال وبكماله المطلق الذى لايحصى أحد من الخلق أن يحيطوا بشئ منه أو يبلغوه أو يصلوا إلى الثناء عليه
[١/٦, ١١:٠١ م] حسن أحمد حسن سليمان: والعبادات الشرعية والمعاملات وتوابعها والأمر والنهى كله عدل وقسط لاظلم فيه ولاجور بوجوه من الوجوه بل هو فى غاية الحكمة والإحكام والجزاء على الأعمال الصالحة والسيئة كله قسط وعدل (قل أى شئ أكبر شهادة قل الله شهيد بينى وبينكم) فتوحيد الله ودينه وجزاؤه قد ثبت ثبوتا لاريب فيه وهو أعظم الحقائق وأوضحها .وفى هذه الآية فضيلة العلم والعلماء لأن الله خصهم بالذكر من دون البشر وقرن شهادتهم بشهادته وشهادة ملائكته وجعل شهادتهم من أكبر الأدلة والبراهين على توحيده وجزائه
[١/٦, ١١:١٢ م] حسن أحمد حسن سليمان: قوله سبحانه : (إن الدين عند الله الإسلام ومااختلف الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم ومن يكفر بآيات الله فإن الله سريع الحساب)(19) جاء فى تفسير السعدى : يخبر تعالى أن الدين الذى لا دين لله سواه ولامقبول غيره هو (الإسلام) وهو الانقياد لله وحده ظاهرا وباطنا بما شرعه على ألسنة رسله قال تعالى : (ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو فى الآخرة من الخاسرين) فمن دان بغير دين الإسلام فهو لم يدن لله حقيقة لأنه لم يسلك الطريق الذى شرعه على ألسنة رسله وأهل الكتاب يعلمون ذلك وإنما اختلفوا فانحرفوا عنه عنادا وبغيا ثم لما جاءهم محمد صلى الله عليه وسلم عرفوه حق المعرفة ولكن الحسد والكفر صدهم عن اتباعه .
[١/٦, ١١:٣٦ م] رقمى موبيلي: من روائع البيان القرآنى : قوله سبحانه : (ياأيها الذين امنوا لاتأكلوا الربا أضعافا مضاعفة واتقوا الله لعلكم تفلحون)(واتقوا النار التى أعدت للكافرين)(وأطعيوا الله والرسول لعلكم ترحمون)(آل عمران)(132:130)والآيات فيها وعيد شديد للذى يأكل الربا قال ابن كثير : كانوا فى الجاهلية إذا حل أجل الدين يقول الدائن: إما أن تقضى وإما أن تربى فإن قضاه وإلا زاده فى المدة وزاده فى قدر الدين وهكذا كل عام فربما تضاعف القليل حتى يصير كثيرامضاعفا(تفسير ابن كثير)(412/1)وترك الربا فيه فلاح الأمة فناسب قوله سبحانه: (لعلكم تفلحون) نهاية الآية
[١/٦, ١١:٣٦ م] رقمى موبيلي: وجاء بعدها التحذير من نار جهنم التى أعدت للكافرين وكذلك الأمر بطاعة الله ورسوله مناسب مع النهى عن ترك الربا فإن من يأكل الربا فمصيره مع الكافرين فى نار جهنم ومن يطع الله ورسوله يكون مع الأبرار الذين تنالهم رحمة الله وهى الجنة فناسب قوله سبحانه : (لعلكم ترحمون) نهاية الآية
والعجيب فى الآية أنها جاءت بين الآيات التى تحدثت عن غزوة أحد وغزوة بدر وهى إشارة أن أكل الربا مثل الحرب بل هو أشد من الحرب وإليك بيان ذلك فى الآيات
[١/٦, ١١:٣٦ م] رقمى موبيلي: فلما جاءت اﻵية التى تنهى المؤمنين عن أكل الربا وسط الآيات التى تحدثت عن الغزوات أحد تفصيلا وغزوة بدر إجمالا فى قوله سبحانه : (ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون)(123) وجاءت الآية اعتراضا بين الحديث عن غزوة أحد ليذكرهم الله بنعمته عليهم لما نصرهم ببدر وهم قليلون فى العدد والعدة ففيها إشارة أن أكل الربا هى كالحرب لذلك جاء الجزاء لمن لم يترك أكل الربا فى قوله سبحانه : (ياأيها الذين امنوا اتقوا الله وذروا مابقى من الربا إن كنتم مؤمنين)(فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم لاتظلمون ولاتظلمون)(279:278)(البقرة)
[١/٦, ١١:٣٦ م] رقمى موبيلي: بدأ الحديث عن الغزوات من قوله سبحانه : (وإذا غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال والله سميع عليم)(121) إلى الآية:(ليس لك من الأمر شئ أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون)(128) ثم جاءت اﻵية التى تتحدث عن الربا ثم جاءت الآيات من الآية(139) تتحدث عن باقى أحداث غزوة أحد : (ولاتهنوا ولاتحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين)(إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لايحب الظالمين)(وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين) وتوالت الآيات تتحدث عن غزوة أحد وماحدث فيها فى نحو ستين آية
[١/٦, ١١:٣٦ م] رقمى موبيلي: وهى قوله تعالى : (واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ماكسبت وهم لايظلمون)(281) فقد حذر الله عباده من ذلك اليوم الرهيب الذى لا ينفع فيه إلا العمل الصالح فقال احذروا يوما سترجعون فيه إلى ربكم ثم توفى كل نفس حسابها وأنتم لاتظلمون وبنزول الآية انقطع الوحى وفيها تذكير العباد بذلك اليوم العصيب الشديد قال ابن كثير : هذه الآية آخر مانزل من القرآن العظيم وقد عاش النبى صلى الله عليه وسلم بعد نزولها تسع ليال ثم انتقل الى الرفيق الأعلى والآيات قبلها هى آخر مانزل من الأحكام وهى التى تحدثت عن الربا. فسبحان من هذا كلامه !!!
[١/٦, ١١:٣٦ م] رقمى موبيلي: ومعنى الآيتين : أى اخشوا ربكم وراقبوه فيما تفعلون واتركوا مالكم من الربا عند الناس إن كنتم مؤمنين بالله حقا وإن لم تتركوا التعامل بالربا فأيقنوا بحرب الله ورسوله لكم قال ابن عباس : يقال لآكل الربا يوم القيامة خذ سلاحك للحرب. وإن رجعتم عن الربا وتركتموه فلكم أصل المال الذى دفعتموه من غير زيادة ولانقصان فتبين من خلال استعراض الآيات أن الربا أشد من الحرب لأن الربا مدمر للمجتمع كله وقد انتهت الآيات فى سورة البقرة التى تحذر من أكل الربا بهذه الآية الجامعة والتى هى آخر آية نزلت من القرآن وبعدها انقطع الوحى
[٢/٦, ٢:٣٠ م] حسن أحمد حسن سليمان: من روائع البيان القرآنى : قوله سبحانه : (كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كذبوا بآياتنا فأخذهم الله بذنوبهم والله شديد العقاب)(11)(آل عمران) وقوله سبحانه : (كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كفروا بآيات الله فأخذهم الله بذنوبهم إن الله قوى شديد العقاب)(52)(الأنفال) وقوله سبحانه فى نفس السورة : (كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كذبوا بآيات ربهم فأهلكناهم بذنوبهم وأغرقنا آل فرعون وكل كانوا ظالمين)(54)
فما الفرق بين المواضع الثلاث ؟
[٢/٦, ٢:٣٠ م] حسن أحمد حسن سليمان: باستقراء آيات القرآن العظيم فقد لاحظت أن قوله : (كفروا وكذبوا) تأتى إما مقترنة أو متفرقة ولو جاءت متفرقة تأتى الأولى : (كفروا) ثم يعقبها فى السياق بالثانية وإليك بيان ذلك : وقد جاءت مقترنة فى عدة مواضع قوله سبحانه : (والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون)(39)(البقرة) وقوله سبحانه فى موضعين من سورة المائدة : (والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم)( الآية 10 و 86) وقوله سبحانه : (والذين كفروا وكذبوا بآياتنا فأولئك لهم عذاب مهين)(57)(الحج) وقوله سبحانه : (وقال الملأ الذين كفروا وكذبوا بلقاء الآخرة...الآية)(33)(المؤمنون)
[٢/٦, ٢:٣٠ م] حسن أحمد حسن سليمان: وقوله سبحانه : (وأما الذين كفروا وكذبوا بآياتنا ولقاء الآخرة فأولئك فى العذاب محضرون)(16)(الروم) وقوله سبحانه : (والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم)(نهاية الآية 19)(الحديد) وقوله سبحانه : (والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار خالدين فيها وبئس المصير)(10)(التغابن) فهذه ثمان مواضع اقترنت فيها : (كفروا وكذبوا) ولا ريب أن الكافر إذا كفر بالله أعقب ذلك التكذيب بآياته فالأمر مرتب الكفر ثم التكذيب.
[٢/٦, ٢:٣٠ م] حسن أحمد حسن سليمان: والمواضع التى جاءت فى أول الرسالة هى التى جاءت متفرقة فالموضع الأول : (كداب آل فرعون والذين من قبلهم كذبوا بآياتنا فأخذهم الله بذنوبهم والله شديد العقاب)(11) فقد جاء فى أول السورة قوله سبحانه : (إن الذين كفروا بآيات الله لهم عذاب شديد والله عزيز ذو انتقام)(نهاية الآية 4) فلما قال: (كفروا بآيات الله) جاء فى الثانية : (كذبوا بآياتنا) كذلك فى موضعى الأنفال : (كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كفروا بآيات الله) والموضع الثانى : (كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كذبوا بآيات ربهم) فبدأ (كفروا بآيات الله) ثم (كذبوا بآيات ربهم)
[٢/٦, ٢:٣٠ م] حسن أحمد حسن سليمان: فالمنعم بالنعم وهو رب العالمين فهو الخالق الرازق المنعم بالنعم مدبر أمور خلقه فله القدرة المطلقة فناسب قوله سبحانه : (كذبوا بآيات ربهم) سياق الآية التى قبلها وكذلك ناسب نهاية كل آية سياقها فلما كفروا بآيات الله أخذهم بذنوبهم ولما كذبوا بآيات ربهم أهلكهم بسلب النعم منهم فبعضهم أهلك بالرجفة وبعضهم بالخسف وبعضهم بالحجارة ولما ذكر آل فرعون ذكر عذابهم صريح فقال : (وأغرقنا آل فرعون) فجاءت كل كلمة مناسبة فى موضعها فسبحان من هذا كلامه !!!
[٢/٦, ٢:٣٠ م] حسن أحمد حسن سليمان: المسألة الأخيرة : قال فى الأولى : (كفروا بآيات الله) وفى الثانية : (كذبوا بآيات ربهم) وبالرجوع إلى سياق الآيات قبلها يتضح الفرق فقد جاء قبل الآية الأولى قوله سبحانه : (ولوترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم وذوقوا عذاب الحريق)(ذلك بما قدمت أيديكم وأن الله ليس بظلام للعبيد)(51:50) فناسب قوله : (كفروا بآيات الله) سياق الآيات قبلها والموضع الثانى ناسب الآية قبله وهو قوله تعالى : (ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا مابأنفسهم وأن الله سميع عليم)
[٢/٦, ٢:٣٢ م] حسن أحمد حسن سليمان: من روائع البيان القرآني : قوله تعالى :
( فلما أحس عيسى منهم الكفر قال من أنصارى إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون ) سورة آل عمران (52 )
وقوله تعالى :
( وإذ أوحيت إلى الحوارين أن آمنوا بى وبرسولى قالوا آمنا واشهد بأننا مسلمون ) سورة المائدة ( 111 )
فى آل عمران قالوا : ( آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون ) ، وفى المائدة قالوا : ( آمنا واشهد بأننا مسلمون )
فما سبب ذلك ؟
[٢/٦, ٢:٣٢ م] حسن أحمد حسن سليمان: لو تأملت الموضعين وجدت عجبا ، فإن الذى دعاهم إلى اﻹيمان فى آل عمران هو عيسى عليه السلام لذلك قالوا : ( آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون )
أما فى المائدة فالذي دعاهم إلى اﻹيمان هو رب العالمين ، فقد ألهمهم وألقى فى قلوبهم ( وهذا معنى الوحى لغير الأنبياء فهو إلهام من الله ) أن آمنوا بى وصدقوا بواحدنيتى ، وبنبوة رسولى عيسى قالوا : صدقنا ياربنا واشهد بأننا منقادون لأمرك وخاضعون لك
[٢/٦, ٢:٣٢ م] حسن أحمد حسن سليمان: فلما كان الأمر وحى من الله قالوا :
( آمنا واشهد بأننا مسلمون )
وأى شرف هذا وأى تكريم هذا أن يوحى رب العالمين إلى الحوارين وهم أصفياء عيسى وخاصته
والوحى لغير الأنبياء هو الإلهام وذلك كقوله تعالى :
( وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه ) سورة القصص( 7 )
ومثل قوله تعالى :
( وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذى من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون ) سورة النحل( 68 ) .
[٢/٦, ١١:٢٩ م] رقمى موبيلي: قوله سبحانه : (لايتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله فى شئ إلا أن تتقوا منهم تقاتة ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير)(28) وقوله سبحانه : (يوم تجد كل نفس ماعملت من خير محضرا وماعملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا ويحذركم الله نفسه والله رءوف بالعباد)(30)
قال فى الأولى:(وإلى الله المصير)
وقال فى الثانية :(والله رءوف بالعباد) فما سبب ذلك ؟ وبالرجوع إلى تفسير الآيات يتبين السبب وكذلك سياق الآيات .
[٣/٦, ١:٤٠ م] رقمى موبيلي: جاء فى تفسير اﻵية الأولى : أى لاتوالوا أعداء الله تحبونهم وتنصرونهم وتتركوا أولياءه فكيف يجمع الإنسان بين محبة الله وبين محبة أعدائه ومن يوالى الكفرة فليس من دين الله فى شئ إلا أن تخافوا منهم محذورا أو تخافوا أذاهم وشرهم فأظهروا موالتهم باللسان دون القلب لأنه نوع من مداراة السفهاء وفى الحديث :(إنا لنبش فى وجوه أقوام وقلوبنا تلعنهم)(أخرجه البخارى فى كتاب الأدب 527/10) (ويحذركم الله نفسه) أى : ويخوفكم الله عقابه (وإلى الله المصير ) أى المنقلب والمرجع إليه سبحانه وتعالى فيجازى كل عامل بعمله
[٣/٦, ١:٥٠ م] رقمى موبيلي: من خلال استعراض تفسير الآية يتضح أنها فى الحياة الدنيا فمن يوالى الكفرة ويتخذهم أنصارا وأحبابا فهذا فى الدنيا فجاءت نهاية الآية(وإلى الله المصير) مناسب معها ففيها تذكير لكل من يفعل ذلك أن يرجع عن موالته للكافرين وفيها تحذير له لعله يتوب قبل رجوعه إلى ربه وجاءت الآية بعدها تؤكد هذا المعنى وهو قوله تعالى : (قل إن تخفوا مافى صدوركم أو تبدوه يعلمه الله ويعلم مافى السموات ومافى اﻷرض والله على كل شيء قدير)(29)
[٣/٦, ٢:٠٠ م] رقمى موبيلي: جاء فى تفسير اﻵية : أى إن أخفيتم مافى قلوبكم من موالاة الكفار أو أظهرتموه فإن الله مطلع عليه لاتخفى عليه خافية وهو عالم بجميع الأمور يعلم كل ماهو حادث فى السموات والأرض وهو سبحانه قادر على الانتقام ممن خالف حكمه وعصى أمره وهو تهديد عظيم وسياق الآية مناسب مع الآية قبلها فهو أيضا فى الحياة الدنيا . أما الآية الثانية فكانت فى سياق يوم القيامة : (يوم تجد كل نفس ماعملت من خير محضرا وماعملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا ويحذركم الله نفسه والله رءوف بالعباد)
[٣/٦, ٢:٠٩ م] رقمى موبيلي: جاء فى تفسير اﻵية : أى يوم القيامة يجد كل إنسان جزاء عمله حاضرا لايغيب عنه إن خيرا فخير وإن شرا فشر فإن كان عمله حسنا سره وأفرحه وإن كان سيئا تمنى أن لايرى عمله وأحب أن يكون بينه وبين عمله القبيح غاية فى نهاية البعد أى مكانا بعيدا كما بين المشرق والمغرب(ويحذركم الله نفسه) أى يخوفكم عقابه (والله رءوف بالعباد) أى رحيم بعباده يحب لهم أن يستقيموا على صراطه المستقيم والرأفة شدة الرحمة والرءوف أبلغ فى الرحمة فناسبت سياق الآية ففى يوم القيامة هو سبحانه رءوف بعباده . فجاءت كل كلمة مناسبة فى موضعها فسبحان من هذا كلامه !!!
[١٦/٦, ٦:١٢ م] حسن أحمد حسن سليمان: قوله سبحانه : (يامريم اقنتى لربك واسجدى واركعى مع الراكعين)(43) ماسبب تقديم السجود على الركوع فى الآية التقديم تقديم فضل وشرف فلا ريب أن السجود أشرف من الركوع وأقرب مايكون العبد من ربه وهو ساجد وأيضا قد ناسب تقديم السجود مع القنوت وهو الخضوع لله ولزوم الطاعة والعبادة والشكر وأيضا مع طاعة مريم لربها فقد وصفها الله فى سورة التحريم بقوله سبحانه : (ومريم ابنت عمران التى أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا وصدقت بكلمات ربها وكتبه وكانت من القانتين)(12)
[١٦/٦, ٦:١٤ م] حسن أحمد حسن سليمان: ومريم التى حفظت فرجها وصانته عن مقارفة الفواحش فهى عفيفة شريفة طاهرة لا كما يزعم اليهود عليهم لعنة الله أنها زنت وأن عيسى ابن زنى (وصدقت بكلمات ربها وكتبه) أى وآمنت بشرائع الله القدسية وكتبه السماوية (وكانت من القانتين) أى وكانت من القوم المطيعين العابدين لله عز وجل وهو ثناء عليها بكثرة العبادة والطاعة والخشوع وقوله : (من القانتين) ولم يقل من القانتات أى أنها بلغت مبلغ الرجال فى طاعتها لله وجاء فى الحديث : (كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا آسية امراة فرعون ومريم ابنت عمران وخديجة بنت خويلد وفضل عائشة على سائر النساء كفضل الثريد على سائر الطعام)(البخارى ومسلم)
[١٨/٦, ٥:٥٠ م] حسن أحمد حسن سليمان: قوله سبحانه : (قال رب أنى يكون لى غلام وقد بلغنى الكبر وامرأتى عاقر قال كذلك الله يفعل مايشاء)(40)
وقوله سبحانه : (قالت رب أنى يكون لى ولد ولم يمسسنى بشر قال كذلك الله يخلق مايشاء إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون)(47) والقول الأول فى حق زكريا عليه السلام والثانى فى حق مريم البتول قال فى الأولى : (أنى يكون لى غلام) وفى الثانية : (أنى يكون لى ولد) وقال فى الأولى : (قال كذلك الله يفعل مايشاء) وقال فى الثانية : (قال كذلك الله يخلق مايشاء إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون) فما سبب الاختلاف بين الموضعين
[١٨/٦, ٩:٤٣ م] حسن أحمد حسن سليمان: أما قول زكريا عليه السلام : (أنى يكون لى غلام) بسبب ماجاء فى الآية التى قبلها : (فنادته الملائكة وهو قائم يصلى فى المحراب أن الله يبشرك بيحيى مصدقا بكلمة من الله وسيدا وحصورا ونبيا من الصالحين)(39) فلما سمته الملائكة باسمه :(يحيى) ناسب قوله : (غلام) فإن الغلام هو الذكر المولود إلى أن يشب وكذلك جاء فى سورة مريم فى قوله سبحانه : (يازكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى لم نجعل له من قبل سميا)(قال رب أنى يكون لى غلام وكانت امرأتى عاقرا وقد بلغت من الكبر عتيا)(8:7)
[١٨/٦, ١٠:٠٢ م] حسن أحمد حسن سليمان: أما قوله سبحانه : (قال كذلك الله يفعل مايشاء) أى أن الله لايعجزه شئ ولايتعاظمه أمر وقوله يفعل مايشاء مناسب مع حال زكريا وزوجه فالاسباب موجودة ولكن المرأة عقيم لاتلد وكبر سنها فكانت بنت تسع وتسعين سنة وإذا أراد الله أمرا فإنما يقول له كن فيكون فلا راد لأمره .
أما حال مريم غير حال زكريا وزوجه فإن عيسى خلق جديد فقد ولد بلا أب لذلك ناسب قوله : (قال كذلك الله يخلق مايشاء إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون)
[١٨/٦, ١٠:٠٩ م] حسن أحمد حسن سليمان: وبمولد عيسى عليه السلام اكتملت قاعدة الخلق فخلق الله آدم بلا أب ولاأم وخلق حواء بلا أم وخلق كل البشر من أب وأم وخلق عيسى بلا أب فجاء خلق عيسى متمم لقاعدة الخلق الدالة على قدرة الله العظيمة : (إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون)(59)
فناسب قوله : (قال كذلك الله يخلق مايشاء) خلق عيسى . أما قوله سبحانه :(قالت رب أنى يكون لى ولد ولم يمسسنى بشر) فقد ناسب الآية التى قبلها : (إذ قالت الملائكة يامريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم وجيها فى الدنيا ومن المقربين)(ويكلم الناس فى المهد وكهلا ومن الصالحين)(46:45)
[١٨/٦, ١٠:٢٣ م] حسن أحمد حسن سليمان: فقوله : (إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم) فإن الكلمة عامة وهى مناسبة مع لفظ الولد فهى أيضا عامة فالولد هو كل مولود فيشمل الذكر والأنثى وأيضا ناسب سياق الآيات :(ويكلم الناس فى المهد وكهلا) وقوله :(ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل)(ورسولا إلى بنى إسرائيل أنى قد جئتكم بآية من ربكم أنى أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله....الآية)(49:47)
[١٨/٦, ١١:١٣ م] حسن أحمد حسن سليمان: أما فى سورة مريم جاء لفظ الغلام مع مريم مناسبا لسياق الآيات فى قوله سبحانه :(قال إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا)(قالت أنى يكون لى غلام ولم يمسسنى بشر ولم أك بغيا)(20:19) ولأهب ليس جبريل ولكنه مكلف بالأمر من الله أما الواهب هو الله ويوضح المعنى القراءة الأخرى فقد قرأ ورش وقالون بخلفه وأبو عمرو ويعقوب البصريان : (ليهب)
وفى آل عمران : (قالت رب أنى يكون لى ولد ولم يمسسنى بشر) وفى مريم :(قالت أنى يكون لى غلام ولم يمسسنى بشر ولم أك بغيا) ففى آل عمران (قالت رب) لأن الملائكة قالت لها (إن الله يبشرك) وفى مريم كان الخطاب من جبريل : (قال إنما أنا رسول ربك)
[١٨/٦, ١١:٢٩ م] حسن أحمد حسن سليمان: فى آل عمران : (قال رب أنى يكون لى غلام وقد بلغنى الكبر وامرأتى عاقر)(40) وفى سورة مريم :(قال رب أنى يكون لى غلام وكانت امرأتى عاقرا وقد بلغت من الكبر عتيا)(8) فى آل عمران قدم كبر سنه وأخر عقر امرأته وفى مريم قدم عقر امرأته على كبر سنه فما سبب ذلك ؟! فى آل عمران دعا زكريا ربه دعاءا مجملا دون تفصيل أمره فى قوله سبحانه : (هنالك دعا زكريا ربه قال رب هب لى من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء) فلما بشر بيحيى بدأ بنفسه فقال أنى يكون لى غلام وقد بلغنى الكبر وامرأتى عاقر فلم يكن هنا ذكر لامرأته
[١٨/٦, ١١:٤٠ م] حسن أحمد حسن سليمان: أما فى سورة مريم فدعا زكريا ربه مع تفصيل حاله : (ذكر رحمت ربك عبده زكريا)(إذ نادى ربه نداء خفيا)(قال رب إنى وهن العظم منى واشتعل الرأس شيبا ولم أكن بدعائك رب شقيا)(وإنى خفت الموالى من وراءى وكانت امرأتى عاقرا فهب لى من لدنك وليا)(يرثنى ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضيا)(6:1) فلما فصل فى أمره وفصل كبر سنه وذكر عقر امرأته فلما بشر بيحيى قدم الأمر الأعجب وهو عقر امرأته فهى لاتلد وكبر سنها فكانت بنت تسع وتسعين سنة فناسب التفصيل تقديم الأمر الأعجب وهو عقر امرأته فناسب كل قول مكانه المناسب به . فسبحان من هذا كلامه !!!
[٢٠/٦, ١٠:١٥ م] حسن أحمد حسن سليمان: بدأ الله سبحانه وتعالى سورة آل عمران بذكر أدلة التوحيد والألوهية والنبوة وذلك فى الآيات : (الله لا إله إلا هو الحى القيوم)(نزل عليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه وأنزل التوراة والإنجيل)(من قبل هدى للناس وأنزل الفرقان إن الذين كفروا بآيات الله لهم عذاب شديد والله عزيز ذو انتقام)(إن الله لايخفى عليه شئ فى الأرض ولافى السماء)(هو الذى يصوركم فى الأرحام كيف يشاء لاإله إلا هو العزيز الحكيم)(هو الذى أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين فى قلوبهم زيغ فيتبعون ماتشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله ومايعلم تأويله إلا الله والراسخون فى العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا ومايذكر إلا أولوا الألباب)(7:1)
[٢٠/٦, ١٠:٣٨ م] حسن أحمد حسن سليمان: ( ربنا لاتزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب)(ربنا إنك جامع الناس ليوم لاريب فيه إنك لاتخلف الميعاد)(9:7) وقوله سبحانه : (شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط لاإله إلا هو العزيز الحكيم)(إن الدين عند الله الإسلام ومااختلف الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم ومن يكفر بآيات الله فإن الله سريع الحساب)(19:18) وهكذا بدأت السورة بذكر أدلة التوحيد والألوهية والنبوة وختمت السورة بذكر دلائل الوحدانية والقدرة فكان ختام مسك
[٢٠/٦, ١٠:٤٤ م] حسن أحمد حسن سليمان: وذلك فى الآيات : (إن فى خلق السموات واﻷرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولى الألباب)(الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون فى خلق السموات واﻷرض ربنا ماخلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار)(191:190) ولما كان المقصود جذب القلوب إلى معرفة الإله الحق جاءت الآيات الكريمة تنير القلوب بأدلة التوحيد والألوهية والتدبر فى ملكوت السموات والأرض ليخلص الإنسان إلى الإقرار بوحدانية الله وباهر قدرته جل وعلا
[٢٠/٦, ١٠:٥٥ م] حسن أحمد حسن سليمان: وقد ختمت السورة بأروع ختام فى آخر آيتين فآخر آيتين أجملت موضوع السورة فإن السورة قريب من نصف آياتها ردت على النصارى فى شأن عيسى عليه السلام كما أنها صنفت أصناف أهل الكتاب فى أكثر من موضع والنصف الثانى كان فى شأن الجهاد فى سبيل الله وذكر غزوة بدر وغزوة أحد . ومن أروع البيان القرآنى وجمال الكلام بعد ذكر مساوئ أهل الكتاب أنهم يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير حق وينقضون العهود ختم بهذه الآية العظيم :( وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وماأنزل إليكم وماأنزل إليهم خاشعين لله لايشترون بآيات الله ثمنا قليلا أولئك لهم أجرهم عند ربهم إن الله سريع الحساب)(199)
[٢٠/٦, ١١:٠٨ م] حسن أحمد حسن سليمان: أى إن من اليهود والنصارى فريق يؤمنون بالله حق الإيمان ويؤمنون بما أنزل إليكم وهو القرآن وبما أنزل إليهم وهو التوراة والإنجيل كعبد الله بن سلام وأصحابه والنجاشى وأتباعه خاضعين لله متذللين له لايحرفون نعت محمد صلى الله عليه وسلم ولاأحكام الشريعة الموجودة فى كتبهم لعرض من الدنيا خسيس كما فعل الأحبار والرهبان . قال ابن عباس والحسن : نزلت فى النجاشى وذلك أنه لما مات نعاه جبريل لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال النبى صلى الله عليه وسلم لأصحابه : (قوموا فصلوا على أخيكم النجاشى)
[٢١/٦, ١٢:٢٦ ص] حسن أحمد حسن سليمان: وجاءت الآية الأخيرة تلخص الموضوع الثانى فى السورة وهو الجهاد فى سبيل وذلك فى قوله سبحانه : (ياأيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون)(200) وبهذه الوصية الجامعة لسعادة الدارين أى : اصبروا على مشاق الطاعات ومايصيبكم من الشدائد : (وصابروا) أى : غالبوا أعداء الله بالصبر على أهوال القتال وشدائد الحروب (ورابطوا) أى لازموا ثغوركم مستعدين للقتال والغزو : (واتقوا الله لعلكم تفلحون) أى خافوا ربكم لتفوزوا بسعادة الدارين . فكان خير ختام للسورة . فسبحان من هذا كلامه !!!