[٣٠/٨, ١:٣٠ م] حسن أحمد حسن سليمان: من روائع البيان القرآنى :
(بلاغة اللفظ القرآنى)
قوله سبحانه فى سورة البقرة : (يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذى خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون)(21) نداء وحيد فى القرآن لم يتكرر فهو نداء للبشر جميعا : أن اعبدوا الله الذى رباكم بنعمه ، وخافوه ولاتخالفوا دينه ، فقد أوجدكم من العدم ، وأوجد الذين من قبلكم ؛ لتكونوا من المتقين الذين رضى الله عنهم ورضوا عنه . فهو وحده المستحق للعبادة ، فهو الذى جعل لكم الأرض بساطا ؛ لتسهل حياتكم عليها ، والسماء محكمة البناء ، وأنزل المطر من السحاب فأخرج لكم من أنواع الثمرات وأنواع النبات رزقا لكم ، فلا تجعلوا لله نظراء فى العبادة ، وأنتم تعلمون تفرده بالخلق والرزق ، واستحقاقه العبودية .
[٣٠/٨, ١:٣٠ م] حسن أحمد حسن سليمان: وجاء النداء للناس وأمرهم بالتقوى فى ثلاث مواضع وإليك بيانها : قوله سبحانه فى سورة النساء : (يا أيها الناس اتقوا ربكم الذى خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذى تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا)(1) وقوله سبحانه فى سورة الحج : (يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شئ عظيم)(1) وقوله سبحانه فى سورة لقمان (يا أيها الناس اتقوا ربكم واخشوا يوما لا يجزى والد عن ولده ولامولود هو جاز عن والده شيئا إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولايغرنكم بالله الغرور)(33)
[٣٠/٨, ١:٣٠ م] حسن أحمد حسن سليمان: والحكمة فى تكرر النداء -والله أعلم- أن التقوى تزيد وتنقص ؛ تزيد بالطاعة وتنقص بالمعصية ، فهى فى حاجة إلى تذكير فلذلك جاء الأمر بها لجميع الناس ثلاث مرات ، وهى : الخشية من الله بامتثال أوامره واجتناب نواهيه ؛ وهى : فعل الطاعات وترك المعاصى ، مع استحضار الخوف من الله، ومراقبته فى كل الأحوال ، وهى أساس القبول عند الله، وسبب الفلاح فى الدنيا والآخرة . وقد جاءت الآيات الثلاث بترتيب عجيب ، وإليك بيان ذلك من خلال استعراض تفسير الآيات .
[٣٠/٨, ١:٣٠ م] حسن أحمد حسن سليمان: ففى الموضع الأول فى سورة النساء : ياأيها الناس خافوا ربكم والتزموا أوامره، واجتنبوا نواهيه ؛ فهو الذى خلقكم من نفس واحدة هى آدم عليه السلام ، وخلق منها زوجها وهى حواء ، ونشر منهما فى أنحاء الأرض رجالا كثيرا ونساء كثيرات، وراقبوا الله الذى يسأل به بعضكم بعضا ، واحذروا أن تقطعوا أرحامكم . إن الله مراقب أحوالكم . فأمرهم بالتقوى وذكرهم ببداية خلقهم ، وهى من نعم الله على عباده ، وهو سبحانه الذى يستحق العبادة وحده .
[٣٠/٨, ١:٣٠ م] حسن أحمد حسن سليمان: ففى الموضع الأول فى سورة النساء : ياأيها الناس خافوا ربكم والتزموا أوامره، واجتنبوا نواهيه ؛ فهو الذى خلقكم من نفس واحدة هى آدم عليه السلام ، وخلق منها زوجها وهى حواء ، ونشر منهما فى أنحاء الأرض رجالا كثيرا ونساء كثيرات، وراقبوا الله الذى يسأل به بعضكم بعضا ، واحذروا أن تقطعوا أرحامكم . إن الله مراقب أحوالكم . فقد دعاهم الله إلى عبادته وحده لاشريك له ، منبها لهم على قدرته ووحدانيته ، وذكرهم ببداية خلقهم من أصل واحد وهو نفس أبيهم آدم عليه السلام.
[٣٠/٨, ١:٣٠ م] حسن أحمد حسن سليمان: ومن عجيب الجمع بين النداءات الثلاث : أنه فى سورة النساء بدأ بخلق آدم وحواء والذرية من الرجال والنساء ، وهذه بداية الحياة ، ثم ينتهى الأمر بموت الإنسان وهذا ماجاء فى نهاية السورة فى قوله سبحانه : (يستفتونك قل الله يفتيكم فى الكلالة إن امرؤا هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ماترك وهو يرثها إن لم يكن لها ولد فإن كانتا اثنتين فلها الثلثان مما ترك وإن كانوا إخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين يبين الله لكم أن تضلوا والله بكل شئ عليم)(176) ، وبعد الموت ، إما جنة وإما نار وهذا يوم القيامة ، يوم لاينفع مال ولابنون إلا من أتى الله بقلب سليم ؛ وهذا ماجاء فى النداء الثانى والثالث .
[٣٠/٨, ١:٣٠ م] حسن أحمد حسن سليمان: النداء الثانى : قوله سبحانه : (ياأيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيئ عظيم) ، والنداء الثالث : قوله تعالى : (ياأيها الناس اتقوا ربكم واخشوا يوما لايجزى والد عن ولده ولامولود هو جاز عن والده شيئا إن وعد الله حق فلاتغرنكم الحياة الدنيا ولايغرنكم بالله الغرور) ، فذكرهم بأن مايحدث عند قيام الساعة من أهوال وحركة شديدة للأرض، تتصدع منها كل جوانبها شئ عظيم ، لايقدر قدره ولا يعلم كيفيته إلا رب العالمين ، وفى هذا اليوم العصيب الشديد ، لايغنى فيه والد عن ولده ولامولود عن أبيه شيئا. فتناسب ترتيب النداءات الثلاث تناسب عجيب ، فسبحان من هذا كلامه .
[٣٠/٨, ١:٣٠ م] حسن أحمد حسن سليمان: النداء الوحيد فى القرآن الذى جاء فى سورة البقرة : (ياأيها الناس اعبدوا ربكم الذى خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون)(21) . لماذا لم يتكرر هذا النداء ، وهو نداء من الله للبشر جميعا أن يعبدوه لأنه رباكم بنعمه ، وأوجدكم من العدم ، وأوجد الذين من قبلكم لعلكم تتقون ، وهو الذى جعل لكم الأرض بساطا ؛ لتسهل حياتكم عليها، والسماء محكمة البناء ، وأنزل المطر من السحاب فأخرج لكم به من ألوان الثمرات وأنواع النبات رزقا لكم ، فهو المستحق للعبادة وحده ، وأنتم تعلمون تفرده بالخلق والرزق واستحقاقه العبودية .
[٣٠/٨, ٧:٣٣ م] حسن أحمد حسن سليمان: ومن تمام استغنائه سبحانه عن خلقه عدم تكرر هذا النداء فتكرره معناه أن الله عز وجل محتاج لعبادة خلقه ، وهو غنى عنهم ، (ياأيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغنى الحميد)(فاطر)(15) ، فكل الناس محتاجون إلى الله فى كل شيئ ، لايستغنون عنه طرفة عين، وهو سبحانه الغنى عن الناس وعن كل شيئ من مخلوقاته ، الحميد فى ذاته وأسمائه وصفاته ، المحمود على نعمه ؛ فإن كل نعمة بالناس فمنه ، فله الحمد والشكر على كل حال، لاتنفعه عبادة عباده، ولاتضره معصيتهم .
[٣٠/٨, ٧:٣٦ م] حسن أحمد حسن سليمان: جاء فى جزء من الحديث القدسى الذى رواه مسلم عن أبى ذر برقم 2577 : (ياعبادى، إنكم لن تبلغوا ضرى فتضرونى، ولن تبلغوا نفعى فتنفعونى ، ياعبادى لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم ، كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ، مازاد ذلك فى ملكى شيئا ، يا عبادى ، لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم ، كانوا على أفجر قلب رجل واحد ، مانقص ذلك من ملكى شيئا ، ياعبادى لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم ، قاموا فى صعيد واحد فسألونى ، فأعطيت كل إنسان مسألته، مانقص ذلك مما عندى إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر ، ياعبادى إنما هى أعمالكم أحصيها لكم ، ثم أوفيكم إياها ، فمن وجد خيرا فليحمد الله ، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه)