من روائع البيان القرآني : قوله تعالى في سورة آل عمران آية 199
(وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وماأنزل إليكم وماأنزل إليهم خاشعين لله ﻻيشترون بآيات الله ثمنا قليلا أؤلئك لهم أجرهم عند ربهم إن الله سريع الحساب ) .
وقوله تعالى : ( وإن من أهل الكتاب إﻻ ليؤمنن به قبل موته ويوم القيامة يكون عليهم شهيدا ) سورة النساء آية 159
جاءت إن في آل عمران مؤكدة ، وفي النساء جاءت مخففة دون تأكيد ، فما الفرق بين الموضعين ؟
بالرجوع إلى اﻵيتين يتبين الفرق .
في آل عمران جاء في تفسير اﻵية : أي ومن اليهود والنصارى فريق يؤمنون بالله حق اﻹيمان ، ويؤمنون بما أنزل إليكم وهو القرآن وبما أنزل إليهم وهو التوراة واﻹنجيل كعبدالله بن سلام وأصحابه ، والنجاشي وأتباعه ، (خاشعين لله) أي خاضعين متذللين لله (لا يشترون بأيات ثمنا قليلا) أي لايحرفون نعت محمد وﻻأحكام الشريعة، الموجودة في كتبهم لعرض من الدنيا خسيس ، كما فعل اﻷحبار والرهبان .
فمن أجل كل هذه الصفات جاءت إن مؤكدة.
أما آية النساء فجاءت في اليهود والنصارى الذين يؤمنون بعيسى قبل موته ، وقد اختلف المفسرون في عود الضمير (قبل موته) ، هل يعود على عيسى ، أو على الذي يموت من أهل الكتاب .اختار الطبري في تفسيره أن الضمير في (قبل موته) يعود على عيسى عليه السلام ويصبح المعنى : ﻻيبقى أحد من أهل الكتاب إﻻ ويؤمن بعيسى قبل موت عيسى ،لما ينزل قرب الساعة .
القول الثاني أن الضمير يعود على الذي يموت من أهل الكتاب من اليهود والنصارى ، أنه يؤمن بعيسى أنه عبد الله ورسوله ولكن ﻻينفعه هذا اﻹيمان ، قال ابن عباس : ﻻيموت يهودي حتى يؤمن بعيسى ، وهذا القول اختيار أبي السعود في تفسيره ، والكشاف ، والجلالين .
ولذلك جاءت (إن) مخففة دون تأكيد .
فكل حرف جاء مناسبا في مكانه . فسبحان من هذا كلامه !!!!!