الثلاثاء، 15 يناير 2019

يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ - يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ

من روائع البيان القرآني: 
قوله تعالى (وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ * وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا ۚ وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا ۖ قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ ۗ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ ۚ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ ۗ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ) [سورة آل عمران 166 - 167]
وقوله تعالى (سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا ۚ يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ ۚ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا ۚ بَلْ كَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا) [سورة الفتح 11]
قال في سورة آل عمران (يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِم) 
وقال في سورة الفتح (يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِم) 
فما الفرق بين  اﻵيتين ؟؟؟
أوﻻ ﻻشك أن موضع سورة آل عمران أبلغ في المعنى من موضع الفتح، وبالرجوع إلى السياق يتضح الفرق، فلما قال (وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا)، كان ذلك في غزوة أحد في شأن رأس المنافقين عبدالله بن أبي بن سلول وأصحابه الذين انخذلوا يوم أحد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورجعوا وكانوا نحوا من ثلاثمائة رجل، فقال لهم المؤمنون: تعالوا قاتلوا معنا المشركين أو ادفعوا بتكثيركم سوادنا (قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ) 
أما موضع سورة الفتح فكان في المنافقين من اﻷعراب - وهم أهل البوادي من العرب -  وقد تخلفوا عن الخروج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية، وقد رأوا أنه يستقبل عدوا كثيرا من قريش وغيرهم، فقعدوا عن الخروج معه، ولم يكن إيمانهم متمكنا من قلوبهم، فظنوا أنه ﻻيرجع هو والمؤمنون من ذلك السفر، فاﻷمر هنا أقل ممن هو في سورة آل عمران.
فكان كل لفظ مناسبا في مكانه.
فسبحان من هذا كلامه !!!!!

بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ - بَلْ طَبَعَ اللَّهُ

من روائع البيان القرآني: 
قوله تعالى (وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ ۚ بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ) [سورة البقرة 88]
وقوله تعالى (فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ ۚ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا) [سورة النساء 155]
قال في سورة البقرة (بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ)
وقال في سورة النساء (بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا) 
واﻵيتان رد على قول أهل الكتاب (قُلُوبُنَا غُلْفٌ).
فلماذا اختلف الرد في اﻵيتين ؟؟؟
أوﻻ معنى (لَعَنَهُمُ اللَّهُ): أي طردهم وأبعدهم من رحمته بسبب كفرهم وضلالهم.
ومعنى (بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ): أي بل ختم الله تعالى عليها بسبب الكفر والضلال، وﻻ ريب أن العقوبة هنا أشد مما في سورة البقرة، والسياق يقتضي ذلك، فإن في سورة البقرة جاء اﻷمر حكاية عن أهل الكتاب (وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ)،
جاء في تفسير اﻵية: ثم أخبر تعالى عن اليهود المعاصرين للنبي صلى الله عليه وسلم وبين ضلالهم في اقتدائهم باﻷسلاف،
فقال حكاية عنهم (وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ) أي مغطاة في أكنة ﻻتفقه وﻻتعي ما تقوله يامحمد.
أما في سورة النساء فقد اختلف اﻷمر، فقد جاء اﻷمر إخبار الله عن حالهم فقال (فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ) أي فسبب نقضهم الميثاق، لعناهم وأذللناهم، و (مَا) لتأكيد المعنى.
فعدد الله مافعلوه من المخالفات، وهي جحودهم بالقرآن العظيم ، وقتلهم اﻷنبياء كزكريا ويحى عليهما السلام، وقولهم قلوبنا غلف، وكفرهم بعيسى عليه السلام، ورميهم السيدة مريم بالزنا.
فلما ذكر الله تعالى عنهم كل هذا، كان لفظ الطبع مناسبا مع سياق اﻵيات.
فكان كل لفظ مناسبا في مكانه.
فسبحان من هذا كلامه !!!!!

ضَلَالًا بَعِيدًا - ضَلَالًا مُبِينًا

من روائع البيان القرآني:
(ضَلَالًا بَعِيدًا)
(ضَلَالًا مُبِينًا)
جاءت اﻷولى في أربع مواضع في سورة النساء، وكلها في الشرك والكفر، وكأن الشرك والكفر يبعد بصاحبه كل البعد عن طريق الحق، وكأن اﻹيمان في المشرق، والمشرك والكافر في المغرب، فلا التقاء بينهما وﻻ تعارف.
وجاءت الثانية في موضع وحيد في سورة اﻷحزاب، وكانت في سياق المعصية لله ورسوله، وكأن المعصية لم تبعد به كثيرا عن حظيرة اﻹيمان وطريق الحق فيمكن الرجوع بالتوبة، ولكن المعصية واضحة لكل عاقل فلذلك قال:(ضَلَالًا مُبِينًا) أي واضح بين.
وإليك هذه المواضع:
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا) [سورة النساء 60]
(إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ ۚ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا) [سورة النساء 116]
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ ۚ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا) [سورة النساء 136]
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا ضَلَالًا بَعِيدًا) [سورة النساء 167]
(وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ۗ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا) [سورة اﻷحزاب 36]
فسبحان من هذا كلامه !!!!!