الاثنين، 20 يناير 2020

فَلَا تَكُونَنَّ - فَلَا تَكُن

من روائع البيان القرآني:
قوله تعالى: (ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡمُمۡتَرِینَ) [سورة البقرة 147]
وقوله تعالى: (ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلَا تَكُن مِّنَ ٱلۡمُمۡتَرِینَ) [سورة آل عمران 60]
جاء في البقرة (فَلَا تَكُونَنَّ) بالتأكيد، وفي آل عمران (فَلَا تَكُن) مخففا، فما الفرق بين اللفظين ؟؟!!
ولمعرفة الفرق نرجع إلى السياق في الموضعين حتى يتضح الفرق، ففي موضع البقرة جاءت اﻵية في سياق الحديث عن تغيير القبلة، في بداية قوله تعالى: (۞ سَیَقُولُ ٱلسُّفَهَاۤءُ مِنَ ٱلنَّاسِ مَا وَلَّىٰهُمۡ عَن قِبۡلَتِهِمُ ٱلَّتِی كَانُوا۟ عَلَیۡهَاۚ) الآية 142 وما بعدها من اﻵيات، وقد زعم اليهود والنصارى أن قبلة اﻷنبياء بيت المقدس، فلما أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم بالتوجه إلى الكعبة المشرفة، طعن اليهود في رسالته.
فكان أمر تحويل القبلة أمر عظيم، وحدث كبير، فقد صلى النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة ستة عشر شهرا أو سبعة عشر شهرا نحو بيت المقدس، فلما تحول بأمر من الله إلى الكعبة، تكلم ضعفاء العقول من الناس وقالوا ما صرفهم وحولهم عن قبلتهم التي كانوا  يصلون إليها.
فلما كان اﻷمر عظيم جاءت (فَلَا تَكُونَنَّ)  بالتأكيد.
كما جاء في اﻵيات توكيدات أخرى:
(وَلَىِٕنِ ٱتَّبَعۡتَ أَهۡوَاۤءَهُم مِّنۢ بَعۡدِ مَا جَاۤءَكَ مِنَ ٱلۡعِلۡمِ إِنَّكَ إِذࣰا لَّمِنَ ٱلظَّـٰلِمِینَ) [سورة البقرة 145]
(فَلَا تَخۡشَوۡهُمۡ وَٱخۡشَوۡنِی وَلِأُتِمَّ نِعۡمَتِی عَلَیۡكُمۡ وَلَعَلَّكُمۡ تَهۡتَدُونَ) [سورة البقرة 150] (وَٱخۡشَوۡنِی) موضع وحيد في القرآن بإثبات الياء، وهو مناسب مع عظم اﻷمر وهو تحويل القبلة.
أما في موضع آل عمران: فكان في سياق الحديث عن عيسى عليه السلام، لما جاء وفد نصارى نجران يجادلون النبي صلى الله عليه وسلم في أمر عيسى وأنه ابن الله، وقالوا: هل رأيت إنسانا قط من غير أب فأرنا مثله فأنزل الله (إِنَّ مَثَلَ عِیسَىٰ عِندَ ٱللَّهِ كَمَثَلِ ءَادَمَۖ) الآية 59
فاﻷمر عندنا ﻻيمثل إشكالاً، وإنما هو عند النصاري، فجاء التخفيف (فَلَا تَكُن) مناسبا مع الحدث.
فجاءت كل كلمة مناسبة في موضعها.
فسبحان من هذا  كلامه !!!!!

من روائع البيان القرآني:
(ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡمُمۡتَرِینَ) [سورة البقرة 147]
جاء في تفسير اﻵية:
أي ما أوحاه الله إليك يا محمد من أمر القبلة والدين هو الحق، فلا تكونن من الشاكين، والخطاب للرسول والمراد أمته.
(ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلَا تَكُن مِّنَ ٱلۡمُمۡتَرِینَ) [سورة آل عمران 60]
جاء في تفسير اﻵية:
أي هذا هو القول الحق في شأن عيسى عليه السلام، فإن شأن عيسى عليه السﻻم إذ خلقه بلا أب -فهو في بابه غريب- كشأن آدم أي خلق آدم من غير أب و ﻻ أم، ثم قال له (كن) فكان، فليس أمر عيسى بأعجب من أمر آدم!! فﻻ تكن من الشاكين.
فلما اختلف السياق للأيتين جاءت اﻷولى (فَلَا تَكُونَنَّ) بالتأكيد مناسبة للحدث وهو تحويل القبلة.
وجاءت الثانية (فَلَا تَكُن) مخففة مناسبة للسياق وهو بيان حقيقة عيسى عليه السلام، وأنه عبد الله ورسوله، وليس ابن الله.
فجاءت كل كلمة مناسبة في مكانها ومع سياقها.
فسبحان من هذا كلامه !!!!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق