الخميس، 9 أبريل 2020

(أَزۡوَ ٰ⁠جࣱ مُّطَهَّرَةࣱۖ)

من روائع البيان القرآني:

(أَزۡوَ ٰ⁠جࣱ مُّطَهَّرَةࣱۖ) جاءت في ثلاثة مواضع في القرآن وإليك بيانها: 

(وَبَشِّرِ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ أَنَّ لَهُمۡ جَنَّـٰتࣲ تَجۡرِی مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَـٰرُۖ كُلَّمَا رُزِقُوا۟ مِنۡهَا مِن ثَمَرَةࣲ رِّزۡقࣰا قَالُوا۟ هَـٰذَا ٱلَّذِی رُزِقۡنَا مِن قَبۡلُۖ وَأُتُوا۟ بِهِۦ مُتَشَـٰبِهࣰاۖ وَلَهُمۡ فِیهَاۤ أَزۡوَ ٰ⁠جࣱ مُّطَهَّرَةࣱۖ وَهُمۡ فِیهَا خَـٰلِدُونَ)[سورة البقرة 25]
(قُلۡ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَیۡرࣲ مِّن ذَ ٰ⁠لِكُمۡۖ لِلَّذِینَ ٱتَّقَوۡا۟ عِندَ رَبِّهِمۡ جَنَّـٰتࣱ تَجۡرِی مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَـٰرُ خَـٰلِدِینَ فِیهَا وَأَزۡوَ ٰ⁠جࣱ مُّطَهَّرَةࣱ وَرِضۡوَ ٰ⁠نࣱ مِّنَ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ بَصِیرُۢ بِٱلۡعِبَادِ)[سورة آل عمران 15]
(وَٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ سَنُدۡخِلُهُمۡ جَنَّـٰتࣲ تَجۡرِی مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَـٰرُ خَـٰلِدِینَ فِیهَاۤ أَبَدࣰاۖ لَّهُمۡ فِیهَاۤ أَزۡوَ ٰ⁠جࣱ مُّطَهَّرَةࣱۖ وَنُدۡخِلُهُمۡ ظِلࣰّا ظَلِیلًا)[سورة النساء 57]

فلماذا اختصت السور الثلاث بذكر اﻷزواج المطهرة وهم الحور العين؟
ولللإجابة على هذا السؤال نعرف أوﻻ  معنى (أَزۡوَ ٰ⁠جࣱ مُّطَهَّرَةࣱۖ):
قال ابن عباس: مطهرة من القذر واﻷذى.
وقال مجاهد: مطهرة من الحيض والنفاس، والغائط والبول والنخام، وورد أن نساء الدنيا المؤمنات يكن يوم القيامة أجمل من الحور العين.
وقد جاء في السور الثلاث ذكر لنساء الدنيا وكأنها مقارنة بينهم وبين الحور العين، فنساء الدنيا وهم في الدنيا يعتريهم الحيض والنفاس، والبول والغائط والنخام، والحمل والوﻻدة ومايصحب ذلك من آﻻم وشدة.
وهذه المواضع هي:  
(وَیَسۡـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلۡمَحِیضِۖ قُلۡ هُوَ أَذࣰى فَٱعۡتَزِلُوا۟ ٱلنِّسَاۤءَ فِی ٱلۡمَحِیضِ وَلَا تَقۡرَبُوهُنَّ حَتَّىٰ یَطۡهُرۡنَۖ فَإِذَا تَطَهَّرۡنَ فَأۡتُوهُنَّ مِنۡ حَیۡثُ أَمَرَكُمُ ٱللَّهُۚ إِنَّ ٱللَّهَ یُحِبُّ ٱلتَّوَّ ٰ⁠بِینَ وَیُحِبُّ ٱلۡمُتَطَهِّرِینَ)[سورة البقرة 222]
(زُیِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ ٱلشَّهَوَ ٰ⁠تِ مِنَ ٱلنِّسَاۤءِ وَٱلۡبَنِینَ وَٱلۡقَنَـٰطِیرِ ٱلۡمُقَنطَرَةِ مِنَ ٱلذَّهَبِ وَٱلۡفِضَّةِ وَٱلۡخَیۡلِ ٱلۡمُسَوَّمَةِ وَٱلۡأَنۡعَـٰمِ وَٱلۡحَرۡثِۗ ذَ ٰ⁠لِكَ مَتَـٰعُ ٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَاۖ وَٱللَّهُ عِندَهُۥ حُسۡنُ ٱلۡمَـَٔابِ)[سورة آل عمران 14]
وبدأ بالنساء ﻷن الفتنة بهن أشد، واﻻلتذاذ بهن أكثر، وفي الحديث: (ماتركت بعدي فتنة هي أضر على الرجال من النساء)  أخرجه البخاري في النكاح، ومسلم في الذكر
ولما بدأ بهن في اﻵية ، وكانت مقارنة بين شهوات الدنيا ونعيم اﻵخرة، ذكر من هذا النعيم (أَزۡوَ ٰ⁠جࣱ مُّطَهَّرَةࣱۖ) وهم الحور العين.
 أما في سورة النساء فقد جاء في أول السورة قوله تعالى: 
(وَإِنۡ خِفۡتُمۡ أَلَّا تُقۡسِطُوا۟ فِی ٱلۡیَتَـٰمَىٰ فَٱنكِحُوا۟ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ ٱلنِّسَاۤءِ مَثۡنَىٰ وَثُلَـٰثَ وَرُبَـٰعَۖ فَإِنۡ خِفۡتُمۡ أَلَّا تَعۡدِلُوا۟ فَوَ ٰ⁠حِدَةً أَوۡ مَا مَلَكَتۡ أَیۡمَـٰنُكُمۡۚ ذَ ٰ⁠لِكَ أَدۡنَىٰۤ أَلَّا تَعُولُوا۟)[سورة النساء 3]
فهذا سبب ذكر (أَزۡوَ ٰ⁠جࣱ مُّطَهَّرَةࣱۖ) في السور الثلاث، والله أعلم.

(إِنَّ ٱللَّهَ لَا یَهۡدِی مَنۡ هُوَ كَـٰذِبࣱ كَفَّارࣱ)

من روائع البيان القرآني:

(إِنَّ ٱللَّهَ لَا یَهۡدِی مَنۡ هُوَ كَـٰذِبࣱ كَفَّارࣱ)[سورة الزمر 3]

(إِنَّ ٱللَّهَ لَا یَهۡدِی مَنۡ هُوَ مُسۡرِفࣱ كَذَّابࣱ)[سورة غافر 28]

(كَذَ ٰ⁠لِكَ یُضِلُّ ٱللَّهُ مَنۡ هُوَ مُسۡرِفࣱ مُّرۡتَابٌ)[سورة غافر 34]


اختلفت الفاصلة (نهاية اﻵية) في كل آية

فما سبب ذلك؟

هذا راجع لسياق كل آية، 

فالموضع الأول في سورة الزمر:

(أَلَا لِلَّهِ ٱلدِّینُ ٱلۡخَالِصُۚ وَٱلَّذِینَ ٱتَّخَذُوا۟ مِن دُونِهِۦۤ أَوۡلِیَاۤءَ مَا نَعۡبُدُهُمۡ إِلَّا لِیُقَرِّبُونَاۤ إِلَى ٱللَّهِ زُلۡفَىٰۤ إِنَّ ٱللَّهَ یَحۡكُمُ بَیۡنَهُمۡ فِی مَا هُمۡ فِیهِ یَخۡتَلِفُونَۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا یَهۡدِی مَنۡ هُوَ كَـٰذِبࣱ كَفَّارࣱ)

فهؤﻻء عبدوا اﻷصنام فكفروا بذلك، وادعوا كذبا أنها تقربهم إلى الله زلفى، وتشفع لهم عنده فكانت الفاصلة (إِنَّ ٱللَّهَ لَا یَهۡدِی مَنۡ هُوَ كَـٰذِبࣱ كَفَّارࣱ) مناسبة مع حالهم.


أما الموضع الثاني في سورة غافر:

(وَقَالَ رَجُلࣱ مُّؤۡمِنࣱ مِّنۡ ءَالِ فِرۡعَوۡنَ یَكۡتُمُ إِیمَـٰنَهُۥۤ أَتَقۡتُلُونَ رَجُلًا أَن یَقُولَ رَبِّیَ ٱللَّهُ وَقَدۡ جَاۤءَكُم بِٱلۡبَیِّنَـٰتِ مِن رَّبِّكُمۡۖ وَإِن یَكُ كَـٰذِبࣰا فَعَلَیۡهِ كَذِبُهُۥۖ وَإِن یَكُ صَادِقࣰا یُصِبۡكُم بَعۡضُ ٱلَّذِی یَعِدُكُمۡۖ إِنَّ ٱللَّهَ لَا یَهۡدِی مَنۡ هُوَ مُسۡرِفࣱ كَذَّابࣱ)

قال اﻹمام الفخر الرازي في تفسيره: وفي هذا إشارة إلى رفع شأن موسى عليه السلام، ﻷن الله هداه وأيده بالمعجزات، وتعريض بفرعون في أنه مسرف في عزمه على قتل موسى عليه السلام، كذاب في إقدامه على ادعاء الإلهية.

أي أنه هو مسرف كذاب وليس موسى عليه السلام فجاءت الفاصلة (إِنَّ ٱللَّهَ لَا یَهۡدِی مَنۡ هُوَ مُسۡرِفࣱ كَذَّابࣱ) مناسبة مع سياق اﻵية.


وأما الموضع الثالث في سورة غافر:

(وَلَقَدۡ جَاۤءَكُمۡ یُوسُفُ مِن قَبۡلُ بِٱلۡبَیِّنَـٰتِ فَمَا زِلۡتُمۡ فِی شَكࣲّ مِّمَّا جَاۤءَكُم بِهِۦۖ حَتَّىٰۤ إِذَا هَلَكَ قُلۡتُمۡ لَن یَبۡعَثَ ٱللَّهُ مِنۢ بَعۡدِهِۦ رَسُولࣰاۚ كَذَ ٰ⁠لِكَ یُضِلُّ ٱللَّهُ مَنۡ هُوَ مُسۡرِفࣱ مُّرۡتَابٌ)

جاءت الفاصلة (كَذَ ٰ⁠لِكَ یُضِلُّ ٱللَّهُ مَنۡ هُوَ مُسۡرِفࣱ مُّرۡتَابٌ) مناسبة مع (فَمَا زِلۡتُمۡ فِی شَكࣲّ مِّمَّا جَاۤءَكُم بِهِ)، أي فلم تزالوا شاكين في رسالته، كافرين بما جاء به من عند الله، (كَذَ ٰ⁠لِكَ یُضِلُّ ٱللَّهُ مَنۡ هُوَ مُسۡرِفࣱ مُّرۡتَابٌ) أي مثل ذلك الضلال الفظيع، يضل الله كل مسرف في العصيان، شاك في الدين، بعد وضوح الحجج والبراهين.

فجاءت كل فاصلة مناسبة مع سياقها.

فسبحان من هذا كلامه !!!